جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣
في مديح الشَّباب ووقفاته الباهرة على مسرح التاريخ
تَجهُّم..

«نَظَرَ الكهلُ إلى عُمرِه، فرآه يمضي سُدى،

ورأى نفسَه "نبيّاً ما فاه بعدُ بآية"[1]؛

فغَضِبَ على نفسِه وعلى الحياة، وأصبح دائم التَّجهّم.

لاحظَ أولادهُ وأحفادُه اكفهرارَ وجهِه،

فحسبوه مؤشّراً على اكتساب الحكمة، وزيادة الخبرة، وعُلوِّ النفس؛

فأعجبهم ذلك وراحوا يقلّدونه،

وما لبثوا أنْ أسموا تجهّمهم المصطنع رصانة!».

(مِنْ كتابي قيد الإعداد «ذُهولُ الشَّخص»).

في العادة، نقيس الحياة بالطّول وليس بالعمق؛ أي أنَّنا نحسِبُها بعدد السِّنين وليس بحجم التَّجربة الحياتيَّة ونوعها.

ولذلك، فإنَّنا كثيراً ما نستغرب عندما نُصادف شابّاً يعبِّر عن أفكارٍ عميقة وشديدة الذَّكاء في شأن الحياة والنَّاس، أو يتَّخذ مواقفاً تترك صدىً كبيراً وممتدّاً في التَّاريخ؛ فنتساءل باندهاش: كيف تأتَّى لهذا الشَّابّ أنْ يتوصَّل إلى مثل هذه الأفكار المبهرة أو أن يتَّخذ مثل هذه المواقف العظيمة، الَّتي يُفترض أنْ تستند إلى خبرة إنسانيَّة كبيرة، في حين أنَّه لا يزال في مقتبل عمره؟!

وما ذلك إلّا لأنَّنا ننسى أنَّ بعض النَّاس قد يعيش خلال سنواتٍ قليلة خبراتٍ إنسانيَّةً كبيرةً وغنيَّةً وكثيفةً وعميقةً لا يمرّ بها سواه خلال عمرٍ طويل، وأنَّ تذوّق النَّاس للحياة وقدرتهم على فهمها وتمثّل عناصرها يختلفان مِنْ إنسانٍ إلى آخر. هذا يحدث في مختلف حقول النَّشاط الإنسانيّ.. لكنَّه لا يعني مطلقاً ضرورة أنْ تكون حياة المرء قصيرة لتتَّسم بهذه السِّمات الإنسانيّة العظيمة. وأتذكَّر، هنا، الحياة  الغنيّة التي وصفها بابلو نيرودا في كتابه الجميل«أشهد أنَّني قد عشتُ»! لقد كَتَبَ نيرودا هذا الكتاب عندما بلغ سنّ الشيخوخة، وما لبث أنْ غادر الحياة في ظروفٍ غامضةٍ.. مباشرةً بعد الإنقلاب الدَّمويّ الفاشيّ الذي دبَّره الأميركيّون في بلده تشيلي في خريف العام 1973 ضدَّ حكومة الرئيس اليساريّ المنَتَخَب سلفادور اللندي.


الفوزُ في معركةٍ خاسرة

في 14 تمّوز/يوليو 1920، وجَّه الجنرال غورو، قائد القوّات الفرنسيّة الَّتي جاءت لاحتلال سوريا، إنذاره الشَّهير للحكومة السّوريّة، وقد اشتمل الإنذار على الإملاءات التَّالية: قبول الانتداب الفرنسيّ، وتسريح الجيش السّوريّ، والموافقة على احتلال القوّات الفرنسيّة لمحطَّات سكك الحديد السّوريّة، وقبول تداول ورق النَّقد الفرنسيّ، ومعاقبة المتورِّطين في عمليَّات عدائيَّة ضدَّ فرنسا.

كانت سوريا – آنذاك – هي سوريا الطَّبيعيّة (أو الكبرى) الَّتي تشمل سوريا الحاليّة والأردنّ وفلسطين ولبنان. اجتمع الملك فيصل، ملك سوريا الطَّبيعيّة آنذاك، مع حكومته، وأعلنوا جميعاً – باستثناء وزير الدِّفاع يوسف العظمة – قبولهم الإنذار الفرنسيّ وتنفيذ ما جاء فيه؛ بل إنَّهم كانوا قد شرعوا بالفعل بتنفيذ بعض بنوده، وتحديداً بند حلّ الجيش.

حاول يوسف العظمة ثنيهم عن قرارهم هذا؛ لكن بلا جدوى. وعندئذٍ، ردَّد على مسامعهم بيت الشِّعر الشَّهير للمتنبِّي، الَّذي يقول:

«لا يسلمُ الشَّرف الرَّفيع من الأذى

حتَّى يُراق على جوانبه الدَّمُ»

ثمّ قال إنَّه يطلب الإذن ليموت، وإنَّه يترك ابنته الوحيدة ليلى أمانةً لديهم. وخرج، بمَنْ بقي معه من الجيش الَّذي تمَّ تسريحه، لملاقاة الغزاة.

وقعت معركة ميسلون صباح يوم 24 تمّوز/يوليو 1920، وكانت النَّتيجة محسومة سلفاً؛ فالجيش الغازي كان مسلَّحاً بالطَّائرات والمدافع والدَّبّابات، في حين لم يكن لدى الجيش السّوريّ لا دبَّابات ولا مدافع ولا طائرات. وبعد حوالي ساعة أُستُشهِدَ القائد يوسف العظمة وهو يقاتل ببسالة مع جيشه. كان شابّاً في السَّادسة والثَّلاثين مِنْ عمره، وكلّ ما كان يهمّه هو أن لا يسجِّل التَّاريخ أنَّ دمشق قد اُحتُلَّتْ مِنْ دون مقاومة.

بالنِّسبة للَّذين يحتكمون للمعايير التِّجاريّة، كانت هذه مجرَّد معركة خاسرة، وكان خوضها حماقة محض. أمّا بمعايير القيم الوطنيّة والإنسانيّة، وبمعايير التَّاريخ ودروسه وعِبَره، فقد كانت هذه أمثولة بطوليّة مجيدة. ولذلك، فاِسم ميسلون (المعركة) يزيّن الآن الكثيرَ من الشَّوارع والمَحالّ والأماكن في مختلف أنحاء العالم العربيّ. لقد أخذ النَّاس الأمثولة البطوليّة المجيدة، ولم يلتفتوا إلى الهزيمة العسكريّة في معركة غير متكافئة.


أولئك الصِّيدُ آبائي

مِنْ عقابيل سايكس بيكو ووعد بلفور صُنِعَتْ التراجيديا الأردنيّة. تراجيديا شعب أُخِذتْ منه بلاده، بقوّة الاستعمار البريطانيّ، وحُرِمَ مِنْ حقِّه في تقرير مصيره، ومِنْ حُكم نفسه، وجاء الاستعمار بنظامٍ من الخارج ونصَّبه على البلاد ليقوم (فيها وبها) بدورٍ وظيفيٍّ يندرج في إطار ترتيبات تنفيذ وعد بلفور. [لمزيدٍ من المعلومات، في هذا الشَّأن، يمكن الرّجوع إلى مقالي «الذِّكرى التِّسعون "للكتاب الأسود في القضيّة الأردنيّة العربيّة"»، المنشور في هذه المدوَّنة؛ ويمكن الرجوع أيضاً إلى مقالي «تراجيديا أردنيّة فصولها تترى»، وهو منشور في هذه المدوّنة أيضاً؛ وكذلك مقالي «تاريخ الأردنّ المغيَّب وتكريمالدّكتور عصام السَّعدي»، في هذه المدوَّنة كذلك].

رَفَضَ الأردنيّون هذا المصيرَ البائسَ الَّذي رُتِّب لهم وفُرِضَ عليهم، وتصدّوا له بكلّ الوسائل، وصنعوا أُمثولتهم البطوليّة الخاصّة. ولهذا التَّصدّي الشّجاع الَّذي خاضوه نماذج مجيدة كثيرة في تاريخ شعبنا، سأكتفي منها بنموذجٍ واحد من انتفاضة البلقاء في 16 أيلول/سبتمبر من العام 1923، بقيادة الشَّيخ ماجد العدوان، تلك الانتفاضة التي واجهها الإنجليز والسّلطة التَّابعة لهم بالمدرَّعات والطَّائرات.

رأى «القائدُ العسكريُّ» للانتفاضة، الشَّيخ صايل الشهوان، القوى العاتيةَ الَّتي حُشِدَتْ لمواجهة المنتفضين، فشعر بالقهر وبغصّة الإحساس بالظّلم، وأبى على نفسه أنْ يستسلم أو يهرب، بل اختار أن يسجِّل أمثولةً بطوليّةً مجيدة، كتلك الَّتي سجَّلها يوسف العظمة قبل ذلك التَّاريخ بثلاث سنوات، فهجم على ظهر فرسه، بعزيمةٍ استشهاديّة باسلة، ليواجه المدرَّعات بسيفه وبندقيّته وهو يهزج، وكان له ما أراد؛ إذ سرعان ما قضى شهيداً في صبيحة ذلك اليوم الأغرّ.

كان الشّيخ جديع أبو قاعود، جالساً على سرج فرسه إلى جانب الشَّيخ صايل عندما اختار هذا الأخير ذلك المصير التراجيديّ البطوليّ، ثمَّ رآه وهو يهوي صريعاً بنيران المدرَّعات؛ لكنَّه، بدلاً مِنْ أنْ يعتبر ويرتعب وينجو بنفسه، أبى أيضاً أنْ يستسلم أو يهرب، فـ«لكد» على فرسه وانطلق في إثر رفيقه نحو المدرَّعات بسلاحه الفرديّ، وسرعان ما قضى شهيداً.

وتلك غصَّةٌ ورثها الوطنيّون الأردنيّون جميعاً. قال الشَّاعر الرَّاحل حبيب الزيوديّ، بعد سبعين عاماً مِنْ أمثولة صايل الشهوان ورفاقه التراجيديّة تلك:

«سبعون عاماً وما زلنا نعاتبه

على الجنون فلم يسمع لنا عتبا».

ما فعله صايل الشهوان وصحبه كان أيضاً حماقه في العرف التِّجاريّ وفي عُرف البزنس وأصحابه. وقال حبيب الزيوديّ عن هؤلاء (في قصيدةٍ له عن صايل):

«لعلّ من قطفوا مِنْ صبرنا ذهباً،

ومِنْ مواجعنا، أن يشبعوا ذهبا».

 وعلى أيَّة حال، بالنسبة للشّعراء الأردنيين الوطنيّين، وبالنِّسبة للوطنيين الأردنيين عموماً، فإنَّ ذكر صايل ورفاقه، كنماذج للبطولة والمجد، لا يغيب عنهم مطلقاً. حيث قال الكثير مِنْ الشّعراء قصائد تمجِّد هذه المأثرة البطوليّة متَّخذين الشّهيد صايل الشهوان نموذجاً لها:

الفارس والشّاعر الشَّعبيّ الأردنيّ باجس الرحيّل، امتلك الشَّجاعة ليرثي صايل الشهوان أمام الأمير عبد الله وأعوانه، مباشرةً، بقصيدةٍ نبطيّة، فقال:

«طَاحْ الحصان اللي عليه البرانيس

واللي تقلط للقحوص العزومي»

أمَّا شاعر الأردنّ مصطفى وهبي التَّل «عرار»، فقد أقسم بدم صايل وساواه ببقاعٍ عزيزةٍ من الأرض الأردنيّة، فقال:

«قسَمَاً بماحص والفحيص

وبالطّفيلة والثَّنيّةْ

وكُرومِ جلعاد الأشمِّ

وتُربةِ الغورِ الغنيَّةْ

ودمِ ابن شهوان الزّكيِّ

ومصرعِ النَّفسِ الأبيّةْ»

وقال الشَّاعر الدكتور إسماعيل السّعوديّ، عنه في قصيدةٍ له بعنوان «بقيّة الرّوح المسلوبة»:

«الشِّعرُ كلُّ الشِّعرِ للشُّهداءِ

فلترحلوا يا معشرَ الزُّعماءِ

ولتتركوا ثوب القصيدةِ ناصعاً

فالشِّعرُ فيكم وصمةُ استجداءِ

سأقودهُ لعيونِ (صايل) وحْدَهُ

حتَّى أعودَ ملطَّخاً بدمائي

فاغضضْ مِنْ موتكَ يا صايلْ

كي لا تُزعجَ أصحابَ الظِّلّ العالي

كي لا تُوقِظَ مَنْ تاهوا في هذا الرّبع الخالي

حاول أن تَنصُر أحلام الفقراء

أن تُخرِجَ فرح العُمرِ بأيدي الُعملاءِ

يا صايل.. يا خُبزَ البُسطاء المسروق

يا وجع الرّوح المخنوق....»

ونعود إلى الشّاعر الكبير الرّاحل حبيب الزّيوديّ، الَّذي كتب مراراً عن الشَّهيد صايل الشهوان، وخصَّه بقصيدةٍ جميلة، بعنوان «صايل»، نشرها في ديوانه الأخير «غيمٌ على العالوك»، الصَّادر في العام 2012، قبيل رحيله بقليل:

«جادت به شهقاتُ الغيمِ فانسكبا

على الفيافي رهاماً راهشاً عَذِبا

فتىً به سمرة تغوي البنات إذا

ما سرَّج المهرةَ الشَّهباءَ أو ركبا»

وقال عن رفاق صايل:

«في فتيةٍ خيَّطوا الصحراءَ من دمهم

وعلَّموا أهلها التّحنان والطّربا».

وقال عنهم أيضاً:

«نادتهم الأرض فامتدّوا بها شجراً

وأوجبوا لنداء الأرض ما وجبا

رنوا إلى النّخل في الصَّحراء ما وجدوا

إلا الشّموخ على أغصانها رطبا

مرّوا على البيد لمّا أجدبتْ مطراً

وسيَّلوا الخيلَ في قيعانها خبباً

قالوا لمن لامهم يذكي مواجعهم

وهزّ أغصانهم أصلاً ومنتَسبا

لقد سقينا كروم الدّار مِنْ دمنا

وما انتظرنا بها تيناً ولا عنبا ».

ثمّ يقول حبيب متفاخراً بأولئك الفتية الصناديد:

«أولئك الصِّيد آبائي وما عرفتْ

قصائدي بعدهم أهلاً ولا نَسَبا».

ثمّ يعود إلى واقعة استشهاد صايل، فيقول:

«هوى على الرَّمل فالدّنيا لمن كتبت

دماؤه الحقَّ، ما الدّنيا لمن غَلَبَا».

ووصف الشَّهيدُ ناهض حتَّر الشّهيدَ صايل الشهوان قائلاً إنَّه مِنْ:

«سلالة الفرسان الَّتي تحدَّرت من الصَّخر الَّذي ينحته الحُبُّ، أعني الرِّجال الَّذين يولدون مِنْ زواج الصَّخر والحُبُّ. أعني صايل الشهوان الَّذي حين شتَّتَ قصفُ الطَّائرات الانكليزيَّة جموع الثَّائرين، في ضواحي عمان، في العام ١٩٢٣، هاجمَ مصفَّحات الأعداء، وهو يهزج. إنَّها لحظة تراجيديَّة كاملة. فصايل، لو شَرَدَ، لن يهزج، بعدها، ولن يقرب النساء!». [ناهض حتَّر - «تايكي/ وضحا/ آمنة- النساء والحب في التراث الأردنيّ» – المقتَبَس – آذار/مارس 2001].

ناهض حتَّر، نفسه، كان بطلاً تراجيديّاً مِنْ طراز رفيع، قاوم بالكلمة الحرّة القويّة والفكرة العميقة الشُّجاعة، وكان يعرف أنَّه مستهدف في حياته في كلّ لحظة، فلم يتراجع ولم يداهن؛ بل سار نحو مصيره المحتوم بخطىً ثابتة. كانت فكرته (وقضيَّته) أهمّ عنده مِنْ حياته، بل كانت هي حياته. غاب جسده؛ لكنّ فكرته اكتسبت زخماً إضافيّاً كبيراً، وأمثولته أصبحت خالدة.


الغرناطيّ الَّذي عَرَفَ أنَّه قُتِلَ

إنَّه أيقونة إسبانيا والإنسانيّة، فردريكو غارسيا لوركا (5 حزيران/يونيو 1898 – 19 آب/أغسطس 1936)، المولود في قرية مِنْ قرى غرناطة هي فوينتي فاكيروس. أعدمه الفاشيّون، الذين انقلبوا على الديمقراطيّة والجمهوريّة، وهو في الثامنة والثلاثين مِنْ عمره، وتكتَّموا على مكان دفنه، ولا تزال إسبانيا حتَّى الآن تبحث عن قبره.

وقد سبق للوركا أنْ تنبَّأ بذلك في إحدى قصائده؛ إذ قال:

«وعرفت أنَّني قُتِلتُ

وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافن والكنائس

فتحوا البراميل والخزائن

سرقوا ثلاثَ جثثٍ

ونزعوا أسنانها الذَّهبيَّة

ولكنَّهم لم يجدوني.

ألم يجدوني؟

كلا، كلا، لم يجدوني».

كان شاعراً ومسرحيّاً ورسَّاماً وعازف بيانو ومؤلِّفاً موسيقيّاً. ومِنْ أصدقائه الَّذين أصبحوا مشاهيراً في ما بعد: سلفادور دالي، وبابلو نيرودا. كان يفضِّل إنشاد شعره على نشره، وبصعوبة كان أصدقاؤه يتمكّنون مِنْ إقناعه بنشر شيءٍ مِنْ شعره؛ فبرأيه «الشِّعر بحاجة إلى ناقل.. إلى كائن حيّ».

كتب رافائيل ألبرتي قائلاً:

«كان لوركا يتدفَّق بشحنة من الرِّقة الكهربائيّة والفتنة، ويلفُّ مستمعيه بجوٍّ أخَّاذٍ من السِّحر، فيأسرهم حين يتحدَّث أو ينشد الشِّعر أو يرتجل مشهداً مسرحيّاً أو يغنِّي أو يعزف على البيانو».

وفي روايات كثيرة متواترة، يبدو أنَّ الشَّاعر واصل إلقاء شعره حتَّى وهو أمام فرقة الإعدام الَّتي كانت تتهيَّأ لسلب حياته؛ إذ قال مخاطباً حبيبته ماريانا:

«ما الإنسان دون حرّيَّة يا ماريانا؟

قولي لي كيف أستطيع أن أحبّك إذا لم أكن حُرًا؟

كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي؟».

 نعم، لقد سُلِبَتْ حياته عنوة؛ لكنَّه - كما سبق أنْ وعد - ترك الشّرفة مفتوحة:

«عندما أموت

أترك الشُّرفة مفتوحة

الفتى الصَّغير يأكل البرتقال

أستطيع رؤيته عبر شرفتي

المزارع يحصد القمح

أستطيع سماعه عبر شرفتي

عندما أموت

أترك الشُّرفة مفتوحة».


أنا الآن جيّد!

على سيرة لوركا والجمهوريين الإسبان وأعدائهم الفاشيين، أنشر تالياً رسالةً مؤثِّرة مِنْ جمهوريٍّ إسبانيٍّ إلى أسرته قُبيل إعدامه، وقد «وصلت إلى ذويه بشكلٍ إعجازيّ» – كما يقول الأديب الإسبانيّ فرناندو آرّبال – في نصّه «رسالة إلى الجنرال فرانكو»، المنشور للمرَّة الأولى في العام 1972، والذي نقتطف منه الرِّسالة التَّالية. وبالمناسبة، فرناندو آرّبال أيضاً أُعدِم والده في تلك الفترة نفسها، وكان – آنذاك – طفلاً ووالده شابّاً:

«عزيزتي فلورا، أبنائي الأعزَّاء:

أتمنَّى أن تكونوا بخير، وأنا الآن جيّد.

في هذه اللحظات يتمّ نقلي من السّجن لألقى نهايتي المحزنة. وهكذا ستكون لي ولكِ ولأبنائنا الأعزّاء.

تعرفون جيّداً، كم أردتُ أن أكون صالحاً دائماً ومِنْ أجل الجميع.

أودُّ أن تنهوا حياتكم بحظٍّ أوفر ممّا لقيته. وأن تمارسوا المشاعر الجيّدة وألّا تكترثوا للثّمن السّيّء.

أمّا أنا، فسوف أحافظ حتَّى اللحظة الأخيرة على إحساسي بالعدالة والإنصاف الإنسانيين.

ولأبنائي أتمنَّى أن يظلّوا طيِّبين كما هم، كونوا كذلك، محافظين على قيمكم.

لا تفكِّروا بالانتقام مِنْ أحد ولا تثأروا لموتي.

كونوا جيّدين يا أبنائي مع والدتكم، وحاولوا أن تكونوا نافعين لمجتمعكم قدر ما استطعتم.

فربّما تعيشون في مجتمعٍ أفضل قليلاً يفيض بمشاعر إنسانيّة أرقى، فساعدوا في بنائه.

نَمّوا وعيكم، وقودوه دوماً لتكونوا سعداء وراضين. حتَّى إن جار الزَّمن عليكم، فإنَّ أحداً لن يحرف نهجكم وحسن سيرتكم.

أبنائي، سيموت والدكم خلال ساعات. إنّي أرى الموت قادماً... ولكنَّني هادئ.. صدّقوني.

أحبّكم جميعاً وأرحل عنكم مرسلاً لكم قبلاتي الَّتي تخرج مِنْ صميم قلبي.

ولكِ عزيزتي فلورا، عناقٌ أبديّ. صورتك مطبوعة في قلبي ولا يستطيع أحدٌ انتزاعها منّي.

وتأكَّدي أنَّه عندما يطلقون النّار عليّ، سأبعث لكِ بقبلتي الأخيرة.

كوني مطمئنةً فإنَّ زوجك سيعرف كيف يموت، كما عرف كيف يعيش.

قبلة أخيرة للجميع... مع الزَّفير الأخير.

التَّوقيع: مكاريو

وعلى هامش الرِّسالة كتب سجينٌ زميل:

عندما نادى الجلّاد مكاريو، شدَّ هذا الأخير على ذراعي بقوّة...».

***

كلّ تلك الأفكار والمواقف العظيمة والعميقة والحارَّة أنتجها أولئك العظماء وهم في مطالع شبابهم، أو وهم في أوجِهِ؛ ولذلك فقد اكتسبتْ حكمتُهم (وجُرأتُهم) حرارةَ الحياة وطراوتها وألقها وتدفّقها، وتبوّأوا مواقعَ متصدِّرةً على مسرح التَّاريخ.

وكثيراً ما أفكِّر فيهم ضمن مشهد زمنيّ تخيّليّ يجمعهم مع أقرانهم وزملائهم وأصدقائهم ومريديهم الذين امتدَّ بهم العيش بعدهم، أو أولئك الذين جاءوا بعدهم بمددٍ متفاوتةٍ.. بعضها قد يكون طويلاً جدّاً؛ فأندهشُ وأنا أرى كيف أنَّ أسلوب حديث الأقران والزملاء والأصدقاء والمريدين عن أبطالهم المفضَّلين أولئك، وطريقة تعبيرهم المحقّ عن الانبهار بحكمتهم وبإنجازاتهم، يشيان بأنَّهم يشعرون في قرارة نفوسهم بأنَّ أولئك الشّبّان الرَّاحلين هم الأكبر سنّا بالمقارنة معهم.. حتَّى عندما يكون المتحدِّثون والمعبِّرون عن الإعجاب قد أصبحوا شيوخاً طاعنين في السِّنّ!

هذا ينطبق، خصوصاً، على قادة الثورات مِنْ أمثال: لينين، وغيفارا، وجمال عبد الناصر، وباتريس لوممبا، وسيمون بوليفار.. الخ. فأصدقاؤهم ورفاقهم، ثمَّ مريدوهم في مراحل لاحقة، يتحدَّثون عنهم – حتَّى بعد بلوغهم (أقصد المريدين) مراحل متقدِّمة مِنْ أعمارهم – كما لو أنَّ أبطالهم أولئك أكبر سنّاً منهم وليس العكس.

لينين توفّي وهو في مطلع الخمسينيَّات مِنْ عمره، وكذلك جمال عبد النَّاصر، أمّا غيفارا فكان في أواخر الثَّلاثينيّات مِنْ عمره عندما اُغتيل في بوليفيا على يد المخابرات الأميركيّة وعملائها.

وفي رواية الكاتب الكولمبيّ الشَّهير، غابرييل غارسيا ماركيز، «الجنرال في متاهته»، يبدو لنا سيمون بوليفار، محرِّر أميركا اللاتينيَّة وموحِّدها، شيخاً مسنّا، رغم أنَّه كان لا يزال في ثلاثينيَّات عمره، وقد توفّي وهو في مطلع الأربعينيَّات مِنْ عمره!


الشَّباب مخيف!

ثمَّة نظرة أخرى مغايرة إلى الشَّباب ووقفاته على مسرح التَّاريخ، عبَّر عنها الرِّوائيّ المعروف ميلان كونديرا. وأنا أُحبّ كتابة كونديرا.. رغم أنَّني أختلف جدّاً مع آرائه وأفكاره. قال:

«الشَّباب مخيف: إنَّه مسرح يتحرَّك فيه أطفالٌ على عكَّازاتٍ عالية وبأكثر الألبسة تنوّعاً، ويدلون بصيغٍ متعلَّمَة يفهمونها نصف فهم، ولكنَّهم يتمسَّكون بها بتعصّب. التَّاريخ مخيف أيضاً، وهو الَّذي غالباً ما يُستَخدَم ميدان لعبٍ لغير النَّاضجين، ميدانَ لعبٍ لنيرون فتيّ، لبونابرتْ فتيّ، لحشود الأطفال المكهربة الَّتي تتحوَّل عواطفها المقلّدة وأدوارها المبسّطة إلى حقيقة واقعيَّة كارثيّاً». [روايته «المزحة» ص 105].

الشَّباب مخيف، هنا، بالنسبة لكونديرا، لأنَّه حيويّ، وحيويَّته وحماسته إنَّما هما «تعصّب».. حسب منطق تفكيره. ولذلك، مطلوب من الشَّباب أنْ يتنحَّى جانباً ويترك مسرح التَّاريخ للكهول النَّاضجين (وللدّقة، «المحافظين») لكي يبقى كلّ شيء على حالة ولا يتمّ إزعاج مَنْ يركنون إلى الرَّاحة والسَّكون. والشَّباب والنُّضج هنا ليسا تعبيرين عن كَمٍّ زمنيّ فقط، بل هما يعبِّران أيضاً عن موقفٍ ميتافيزيقيّ بمضمونٍ سكونيّ.. لو أخذه الناس بجدّيّة، لكان التَّاريخ قد انتهى قبل أنْ يبدأ. وبما أنَّ التَّاريخ يصنعه الشَّباب في الواقع، فهو «مخيف أيضاً» و«ميدان لعبٍ لغير النَّاضجين». وإذا توسّعنا في استخدام هذا المعيار أكثر، فالحياة نفسها مخيفة. قال أحد المفكِّرين ولم أعد أذكر مَنْ هو: «الحياة هي أخطر شيء يحدث للإنسان!».

وإنَّ ما يراه كونديرا «نصف فهم» لدى الشَّباب الَّذي يصنع التَّاريخ كما لو أنَّه لعبة، إنَّما هو في الحقيقة فهم مغاير يتجاوز المواضعات البليدة التي تكلَّست ليستلهم مكنونات التَّاريخ الَّتي هي النَّسغ الَّذي حال التكلّس دون استمراره في التدفّق، الأمر الذي في حال استمراره يهدِّد بتوقّف الحياة. وأمّا ما يراه كونديرا «تعصّباً»، فأراه حماسةً وثقةً وإرادةً وعزيمة. وجميعها ضروريّة عند التصدّي لفعلٍ كبيرٍ جدّاً كفعل صناعة التَّاريخ. فالحماسة والثِّقة والإرادة تقود إلى الإقدام والمبادأة، وهما عاملان حاسمان في ما يخصّ فعل التَّغيير التَّاريخيّ المنشود.

  

التَّاريخ وقوّة الأشياء

عموماً، صناعة التَّاريخ ليست ممكنة مِنْ دون آلام (وربّما أوحال، أحياناً)؛ فهو لا يُصنع إلّا مِنْ خلال الصِّراع. وخصوصاً الصِّراع الَّذي يعبِّر عن مصالح تتناقض بحدّة. وشروط الصِّراع لا تُفصَّل حسب رغبات المتصارعين وتمنِّياتهم. كما أنَّ ما ينتج عن ذلك، في النِّهاية ليس مضموناً، وقد لا يُطابق أحلام النَّاس وخططهم وترتيباتهم. يقول سان جوست: «إنَّ قوَّة الأشياء تقودنا، على ما يبدو، إلى نتائج لم تخطر لنا في البال». [مِنْ كتاب «وصيَّة لينين السياسيَّة» - بليماك].

«قوّة الأشياء» أفهمُها، هنا، على أنَّها حصيلة فِعل العوامل المتناقضة في لحظة تاريخيّة محدَّدة. فالنَّاس حين ينخرطون في صناعة التَّاريخ فإنَّهم يفعلون ذلك انطلاقاً مِنْ لحظة تاريخيّة محدَّدة، ومِنْ مفردات الواقع الاقتصاديّ الاجتماعيّ السِّياسيّ الثقافيّ الذي يعيشونه وضمن محدِّداته وآفاقه التَّاريخيّة وشروط محيطه. بل إنَّهم، هم أنفسهم، يكونون، في أثناء ذلك، مادَّته ووقوده. ولذلك، فإنَّهم لا يستطيعون النَّظر إليه ومراقبة خطّ سيره مِنْ خارجه، وإنَّما فقط مِنْ خلال نافذة العربة التي يستقلّونها فيه والزَّاوية الخاصَّة في تلك النَّافذة التي يطلّون منها، واعتماداً على اتِّجاه نظرهم، ومستويات إدراكهم، وأنماط تفكيرهم، وتباين مصالحهم، واختلاف أهوائهم.

  

قلب وعقل!

ثمَّة رؤية أخرى يمينيّة دارجة في شأن الشَّباب، تتلخَّص بفكرة حاسمة قاطعة تقول: مَنْ لم يكن يساريّاً في شبابه، فلا قلب له، ومن يبقى يساريّاً حين يكبر، فلا عقل له.

هذا يُذكِّرنا بالمقولة الاستشراقيّة الاستعماريّة المتهافتة: القلب للشَّرق، والعقل للغرب!

وعلى أيّة حال، الجزم والحسم هنا لا يدلّان على النضج والعقل، وليس لهما علاقة بالقلب أيضاً. وثمَّة شيء واحد صحيح في هذا الكلام اليمينيّ، وهو إيحاؤه بأنَّ اليسار يقترن بروح الشَّباب الحيويّة الوثَّابة. وفي المقابل، فإنَّ صاحب هذه المقولة الدَّارجة، حين يجعل من الشَّباب نقيضاً للحكمة والنُّضج، لا يملك لتعزيز فكرته هذه سوى استخدام معيارٍ كمّيّ، هو عدد سني عمر الإنسان، متجاهلاً مضمونها؛ ومع ذلك، فإنَّه يسمح لنفسه بأنْ يستخلص مِنْ هذا المعيار فكرةً «جوهريّة» قاطعة!

وبرأيي، مفهوم الشَّباب لا يرتبط بعدد سنيّ الحياة.. بل بروح الإنسان وما ينعكس عنه للناس ويظهر في سلوكه. ولذلك، فإنَّنا نجد أحياناً شخصاً لا يزال في مقتبل عمره، لكنّه يفتقر إلى روح الشَّباب؛ فيكون، بذلك، أقرب إلى الكهولة. في حين أنَّنا قد نجد شخصاً متقدّماً في العمر؛ لكنّه لا يزال يمتلك روح الشَّباب في نفسه وفي نظرته إلى الحياة وإلى نفسه.

الشَّباب هو الحياة في دفقها وتجدّدها وطراوتها ونضارتها؛ في حين أنَّ الكهولة هي تسليم المرء بأنَّ الحياة قد أصبحت وراءه ولم يبقَ لديه منها سوى جثّتها المحنَّطة التي تنتظر الدَّفن وليس فيها لا قلبٌ ينبض ولا عقلٌ يشتغل (أو يشتعل).

أتذكَّر هنا، أقصوصة مِنْ كتابي «بعد خراب الحافلة»، بعنوان «جثّة»، وتقول:

«مشى الرَّجلُ طويلاً؛ وبينما هو ينقلُ خطواتِه مات، غير أنَّه لم يفطنْ لموته، كما أنَّه لم يعرفْ كيف يأوي إلى قبره، وأخذتْ جثتُه تتحلَّل؛ فلم يعرفْ ماذا يفعل بها؛ فحملها وواصل المشـي. عندئذٍ مات، مرَّةً أخرى، وأمعنَ في الموت، بينما هو لا يزال يواصلُ المشي».


مُسنٌّ أربعينيّ!

خطر في بالي هذا الكلام كلُّه وأنا أقرأ ورقةً مِنْ أوراقي القديمة التي كنت أدوّن فيها مقتطفاتٍ من الكتب التي كنتُ أقرأها، وبعض انطباعاتي عنها.

تلك الورقة تعود إلى العام 1983. كنت آنذاك في سجن المحطّة في عمَّان، وقد دوّنتُ فيها مقتطفاتٍ مِنْ كتابات الكاتب الروسيّ الشهير انطون تشيخوف. وأختم مقالي هذا بشيءٍ منها.

يقول تشيخوف بكلّ توق الشَّباب إلى الحياة وعنفوانه:

«إنَّ الآمال العذبة تكويني، ولا أكاد أتنفَّس من الانفعال، إنَّني أريد بشدَّة أنْ أعيش، أريد أنْ تكون حياتنا مقدَّسة، سامية، مهيبة كقبَّة السَّماء. سوف نحيا! الشَّمس لا تشرق في اليوم مرَّتين، والحياة لا تُعطى مرَّتين.. فلتتشبَّث، بقوَّة، ببقايا حياتك ولتنقذها..». رجل مجهول» – الجزء الثالث – ص 89].

عاش تشيخوف على هذه الأرض 44 عاماً، قام خلالها بأعمال كثيرة عظيمة، وصنع مجداً أدبيّاً خالداً، وتُعتَبرُ أعماله الإبداعيّة الآن إرثاً إنسانيّاً في مختلف بقاع العالم.

ويقول تشيخوف أيضاً (مِنْ ضمن مقتطفاتي القديمة تلك منه):

«مغزى الحياة يكمن في شيءٍ واحد: في النِّضال. أنْ تدوس بكعبك على رأس الحيَّة الغادر حتَّى يصرّ منسحقاً! في هذا يكمن المغزى. في هذا وحده، وإلا فليس ثمَّة مغزى». رجل مجهول» – الجزء الثالث – ص100].

أسفل هذه المقتطفات كنتُ قد كتبتُ: «أنهيتُ، هذا اليوم، السبت 22/1/1983، قراءة الجزء الثَّالث مِنْ أعمال انطون تشيخوف».



كنتُ – آنذاك – في العشرينيّات مِنْ عمري؛ لذلك، بدا لي حينها أنَّ تشيخوف عند وفاته وهو في الرابعة والأربعين مِنْ عمره كان شخصاً مسنّاً.. وذلك على النقيض تماماً مِنْ نظري إليه الآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مِنْ قصيدة الشاعر الأردنيّ تيسير السبول الَّتي عُثِرَ عليها معه عند انتحاره وهو في الرَّابعة والثَّلاثين مِنْ عمره، وتقول:

«أنا يا صديقي

أسيرُ مع الوهمِ، أدري

أُيمِّمُ نحوَ تُخُومِ النهايه

نبيًّا غريبَ الملامِحِ أمضى، إلى غير غايه

سأسقطُ لا بُدّ يملأُ جوفي الظلام

نبيًّا قتيلا وما فاهَ بعدُ بآيه

وأنتَ صديقي

وأعلمُ، لكنْ قدِ اختلفتْ بي طريقي

سأسقطُ لا بدَّ

أسقط يملأ جوفي الظلامْ

عذَيركَ بعدُ

إذا ما التقينا بذاتِ منامْ

تفيقُ الغداةَ وتنسى

لَكَمْ أنت تنسى

عليكَ السلامْ»
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال