جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣

أستطيع أنْ أفهم "الإخوان المسلمين"؛ فهؤلاء لهم مشروعهم المعروف وتحالفاتهم القديمة الجديدة؛ وقد وقفنا (نحن اليساريين والقوميين، وهم)، في خندقين متقابلين، في الموقف مِنْ حلف بغداد الاستعماريّ الذي حاولت الولايات المتَّحدة فرضه على المنطقة في خمسينيَّات القرن الماضي؛ وفي الموقف من العدوان الثلاثيّ على مصر الناصريَّة، في الفترة نفسها؛ كما أنَّهم وقفوا ضدّ حكومة سليمان النابلسيّ (اليساريَّة القوميَّة) المنتخبة وأيَّدوا الانقلاب عليها؛ ووقفوا ضدّ المقاومة الفلسطينيَّة، وكانوا، في الستينيَّات والسبعينيَّات.. وحتَّى الثمانينيَّات، يسمّون مَنْ يُقتل مِنْ أبنائها في مواجهة "إسرائيل"، "فطائس".. أمَّا الشهداء فكانوا، بالنسبة لهم، هم فقط أولئك الذين يُقتلون، في "الجهاد" الأميركيّ في أفغانستان، المدعوم من السي. آي. أيه والدوائر الأطلسيَّة والأنظمة الرجعيَّة التابعة، ضدَّ السوفييت وحكومة أفغانستان التقدّميَّة. ومِنْ تجربتي الشخصيَّة، عندما كنّا طلّاباً في الجامعة الأردنيَّة ووقفنا ضدَّ اتّفاقيَّات "كامب ديفيد"، ونظمَّنا مظاهرات طلَّابيَّة واسعة ضدَّها، أذكر أنَّهم وقفوا ضدَّنا أيضاً وحاولوا كسر تحرّكنا؛ لكنَّهم لم ينجحوا في ذلك، آنذاك؛ لأنَّهم كانوا أقليَّة قليلة وكنّا أكثريَّة كاسحة. ولقد وقفنا ضدَّهم عندما شنّوا، في أوائل ثمانينيّات القرن الماضي، هجمتهم العنيفة على سوريَّة.. المتَّسقة مع هجمة كامب ديفيد الاستسلاميَّة في أواخر السبعينيَّات، ومع مبادرة الملك فهد التفريطيَّة في قمَّة فاس في أوائل الثمانينيَّات.
أقول إنَّني أفهم هؤلاء، رغم ذلك كلّه؛ فهذا هو موقفهم وهذا هو مشروعهم وهذه هي تحالفاتهم؛ ولم نجتمع، نحن وإيّاهم في خندق واحد (أو هكذا توهّمنا)، إلا ابتداء مِنْ تسعينيَّات القرن الماضي، عندما استغنت عنهم الولايات المتَّحدة وأدارت ظهرها لهم بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي، لمدَّة خمس عشرة (أو عشرين) سنة، فوقفنا معهم، عندئذٍ، كما هي عادتنا في الوقوف مع كلّ مَنْ تكون له خصومة مع الإمبرياليَّة الأميركيَّة (في حين أنَّهم لم يقفوا معنا في يومٍ من الأيَّام)، إلى أنْ تغيَّرت الأوضاع قبل سنتين عندما احتاج لهم الأميركيّون لإنقاذ الأنظمة التابعة ومدِّ أعمارها بهم.
وهنا، أعرِّج قليلاً لأشير إلى بعض المتحاملين والجهلة الذين كلّما انتقدنا مواقف "الإخوان" الحاليَّة قالوا لنا: "إنَّ نزعتكم المعادية لـ"الإخوان" هي التي تحكم مواقفكم" – فأقول لهم: إنَّكم تهرفون بما لا تعرفون؛ فقد وقفوا، هم، ضدَّنا دائماً؛ في حين أنَّنا نحن مَنْ وقف معهم عندم أدار الأميركيّون ظهرهم لهم؛ لكن ما إنْ أشار العمّ سام لهم بإصبعه حتَّى انضووا تحت جناحيه وعادوا إلى سيرتهم الأولى ليطخّوا علينا مِنْ موقعهم الأثير ذاك؛ كأنَّ الخمس عشرة (أو العشرين) سنة الماضية لم تكن!
نعم، أفهم موقف "الإخوان" وأنصارهم، رغم ذلك كلّه؛ لكنَّني، بالمقابل، لا أفهم "جماعة أنا مش إخواني...." الذين يتنقَّلون، بمواقفهم المعادية للأمّة، بصورة متَّسقة مع مواقف "الإخوان"، من البحرين إلى لبنان إلى سوريَّة إلى العراق إلى تركيا إلى مصر (وحتَّى إلى أميركا اللاتينيَّة) وإلى سوى ذلك من الأماكن والقضايا؛ فيتحمَّسون لجبهة النصرة وشقيقاتها ضدّ سوريَّة، ويقفون مع أردوغان ضدّ المعارضة التركيَّة العلمانيَّة واليساريَّة، ويعادون البريكس ومجموعة دول الكاريبيّ وروسيا والصين والهند، إكراماً لوجه المشروع "الإخوانيّ" في المنطقة المكرَّس لخدمة الغرب والأنظمة التابعة، ويقفون الآن مع "حماس" و"الإخوان" وقطر ضدّ مصر كلِّها.

وإزاء ذلك، لا أملك إلا أنْ أتساءل: هل يتبنَّى هؤلاء (المش إخوانيين) المشروع السياسيّ "الإخوانيّ" القائم على توظيف الدين لأغراض حزبيَّة.. الذي يحلم أصحابه بأنَّه سيعيد الناس للعيش في ظلّ قيم القرون الوسطى وثقافتها ويحوّلهم إلى مجرَّد "رعايا" مستسلمين لمبدأ "السمع والطاعة" الذي يخضع له أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين"؟ هل هم مع خيارات "الإخوان" السياسيَّة القائمة على احتكار السلطة، وإقامة دولة ثيوقراطيَّة استبداديَّة، ومدّ عمر أنظمة التبعيَّة، والاندراج ضمن خطط وسياسات الإمبرياليَّة الأميركيَّة وحلف الأطلسيّ وتوابعهم؟ هل هم مع سياسات "الإخوان" الاجتماعيَّة الاقتصاديَّة القائمة على مبادئ الليبراليَّة المتوحِّشة، ومواصلة الاقتراض مِنْ صندوق النقد الدوليّ والخضوع لإملاءاته؟ إذا كانوا يتبنّون ذلك المشروع ويؤيّدون تلك السياسات، فيمكن أنْ نفهم موقفهم عندئذٍ.. حتَّى إنْ كنّا لا نتَّفق معه؛ أمَّا إذا كانوا يزعمون خلاف ذلك، فإنَّه يصعب فهمهم أو تفهّمهم. والسؤال الموضوعي الذي يبرز في كلّ الأحوال، هو: ما القضيَّة التي يتبنَّاها هؤلاء؟ وفي خدمة مَنْ (وماذا) يعملون؟
لا، حبيبي، قل "أنا إخوانيّ".. أشرف لك.
تعليق واحد
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال