جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣


روبرت ستيفن فورد
"فِرق الموت" هي، بالأصل، تسمية العصابات الإجراميَّة المنظَّمة، التي استخدمتها الولايات المتَّحدة الأميركيَّة، ابتداء مِنْ مطلع ثمانينيَّات القرن الماضي، لمواجهة معارضي هيمنتها وتسلّطها على ما كان يُسمَّى فناءها الخلفيّ، أي أميركا اللاتينيَّة.

وأُشتُهِرَ رجل المهمّات الخاصَّة جون نيغروبونتي بأنَّه مهندس هذا الأسلوب والأبرع في إعداده والإشراف على تنفيذه. ونيغروبونتي، في الأصل، أحد أبرز رجال الاستخبارات الأميركيَّة (أصبح رئيسها في عهد بوش الابن)، وقد خدم في فيتنام وأوكِل له الكثير من المهامّ مِنْ ذلك النوع الذي يُوصَف عادة بالمهامّ القذرة، في مناطق مختلفة من العالم. وفي الكثير من الأحيان اتَّخذتْ مهمَّاته، تلك، قناعاً دبلوماسيّا؛ كما هو الحال في تولّيه سفارة بلاده في هندوراس والمكسيك والفلبّين والعراق.

وكانت بداية اتِّباع هذا الأسلوب في السلفادور؛ حيث نُظِّمتْ أعمال بشعة للقتل الجماعيّ للمدنيين ومعارضي أنظمة الجنرالات الإجراميَّة التابعة لواشنطن؛ كما لم توفِّر أعمال القتل، تلك، حتَّى رجال الدين مِنْ أنصار لاهوت التحرير، والأطباء والممرضِّين، رجالاً ونساءً. واشتملتْ "العمليَّة"، أيضاً، كما هو معروف، على أعمال الاختطاف والاغتصاب والتعذيب البشع والقتل والتنكيل. وكانت حصيلتها، في النهاية، مقتل 75 ألف إنسان، في السلفادور وحدها.

كما أُتُّبِع هذا الأسلوب، أيضاً، في نيكاراغوا، ضدّ النظام الثوريّ الساندينستيّ؛ حيث جنَّدتْ السي. آي. أي عصابات الكونترا الإجراميَّة الشهيرة، وسلَّحتها، لتزعزع بها استقرار نيكاراغوا، وتضرب اقتصادها، وتدمِّر بنيتها التحتيَّة، وتثير الرعب بين مواطنيها؛ بما يؤدِّي، في النهاية، إلى إسقاط النظام الثوريّ هناك، الذي كان يرفض الخضوع لهيمنتها والاستجابة لشروط نهبها. وأسفرتْ أعمال القتل التي ارتكبتها عصابات الكونترا عن مقتل 50 ألف من المدنيين النيكاراغويين.

تجدر الإشارة، هنا، إلى أنَّ تمويل عصابات القتل، تلك، وتغطية تكاليف عمليَّاتها وتسليحها، كان يتمّ عن طريق مصدرين: الأوّل: إنتاج وتهريب الكوكايين؛ والثاني: أموال نفطيَّة سخيَّة من السعوديَّة، كما كشفتْ فضيحة الكونترا، التي أُشتُهِرَتْ بـ"الكونترا غيت"، في أواخر ثمانينيَّات القرن الماضي.

أُتُّبِع الأسلوب، نفسه، في أفغانستان، في الفترة نفسها تقريباً، ضدَّ النظام اليساريّ الذي كان حاكماً هناك. وقد تمَّ تمويل العمليَّة، أيضاً، بأموال المخدِّرات وبأموال نفطيَّة خليجيَّة. وفي تلك الفترة استقبل الرئيس الأميركيّ ريغان قادة الثورة المضادَّة في أفغانستان، ووصفهم بـ"المجاهدين مِنْ أجل الحريَّة"! كما أنَّ نيغروبونتي، نفسه، أصبح، في تلك الفترة المحتدمة، مستشاراً أمنيّاً لريغان.

وعندما احتلَّت الولايات المتَّحدة العراق عام 2003، وانطلقت المقاومة العراقيَّة ضدَّها سريعاً، وألحقت بها خسائر هائلة، قرَّر البنتاغون العودة إلى دفاتره القديمة، والاعتماد على ما أسماه "خيار السلفادور في العراق". وقد أوفِد جون نيغروبونتي للإشراف على تطبيق هذا "الخيار"، في بلاد الرافدين؛ حيث تمَّ تعيينه سفيراً لواشنطن في بغداد. وهناك اعتمد، بشكلٍ أساسيّ، على الرجل الثاني في السفارة، روبرت ستيفن فورد، الذي كان هو صلة الوصل مع المجموعات الإرهابيَّة والمشرف على تمويلها وتسليحها وتوجيهها.

أعمال القتل الجماعيّ التي ارتكبتها فِرق الموت في العراق كانت ذات طابع طائفيّ؛ فمرَّةً تستهدف مدنيين أبرياء من الشيعة، ومرَّة أخرى، تستهدف مدنيين أبرياء من السنة، وفي ثالثة، تستهدف مدنيين مسيحيين أبرياء. وهذا إضافة إلى استهدافها أماكن العبادة لدى الطوائف المختلفة، وسوى ذلك مِنْ عمليَّات الخطف والتعذيب والاغتصاب والقتل. والهدف، كما هو واضح، إثارة الفتنة الطائفيَّة، ووصم المقاومة بالإرهاب، وتخسيرها حواضنها الاجتماعيَّة. وكانت الحصيلة المأساويَّة لهذه العمليَّة الإجراميَّة، مئات الألوف من العراقيين الذين راحوا ضحايا لها.

وفي شهر كانون الثاني 2011، أي قبل اندلاع الصراع الدمويّ في سوريَّة بشهرين، تمَّ تعيين روبرت ستيفن فورد، الذراع الأيمن لنغروبونتي، سفيراً للولايات المتَّحدة في دمشق. ولا يزال مسمَّى كسفيرٍ فيها رغم وجوده في واشنطن. والمعلومات المتوفِّرة بكثرة الآن، والتقارير الإعلاميَّة الغربيَّة، قبل سواها، تقول ما هو أكثر مِنْ ذلك بكثير وما هو أخطر منه. لكنَّني أكتفي بهذا القدر لمن يريد أنْ يفهم ولم يؤجِّر عقله وضميره.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال