جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة


سعود قبيلات ▣


يُفترض أنْ يرى مقالي، هذا، النور صبيحة اليوم المعيَّن لاجتماع الهيئة العامَّة لرابطة الكتّاب الأردنيين لانتخاب هيئتها الإداريَّة الجديدة. في اليوم نفسه، أكون وعدد مِنْ زملائي قد أنهينا دورتنا الثانية في إدارة الرابطة واستنفذنا حقّنا في الترشّح. ومِنْ حُسْن الحظّ أنَّ النظام الداخليّ للرابطة لا يجيز لنا أنْ نرشِّح أنفسنا للانتخابات مرَّةً ثالثة. وهذا تقليد حميد مكرَّس قانونيّاً ونظاميّاً في النقابات المهنيَّة الأردنيَّة، منذ زمنٍ طويل، كان (ولا يزال) موضع فخرنا جميعاً أمام زملائنا في النقابات العربيَّة.
ومن المؤسف أنَّ هذا التقليد غير مُتَّبع في النقابات العمّاليَّة الأردنيَّة أو في مؤسَّسات المجتمع المدنيّ الأخرى في بلادنا، وخصوصاً في الأحزاب. فحالة المسؤوليَّة المزمنة، غير المحدَّدة بسقف زمنيّ (أو عمريّ) نهائيّ، سرعان ما تتحوَّل إلى حالة مرضيَّة مزمنة، بغضّ النظر عن حُسْن النوايا والصفات الشخصيَّة الإيجابيَّة التي قد يتمتَّع بها المسؤول. ولا أعتقد أنَّ البديل عن ذلك هو تداول مسؤوليَّة شكليّ يسمح بتغييرٍ يقتصر على الوجوه والمسمّيات، فقط؛ بل يجب أنْ تُتاح الفرصة دائماً لتغيير حقيقيّ في الوجوه والأفكار والأساليب والتوجّهات. ومِنْ ضمن ذلك أنَّ الكُتل المتصارعة، تقليديّاً، يجب أنْ تشهد، هي نفسها، تجديداً مستمرّاً في الوجوه والتوجّهات والمقاربات؛ لا أنْ يقتصر الأمر على تبادل شكليّ للأدوار ضمن دائرة ضيِّقة من الأشخاص ممتنعة على الاختراق والتغيير. فإعاقة التغيير، وتعطيل التداول الحقيقيّ للمسؤوليَّة إنَّما هي ديكتاتوريَّة مقنَّعة. كما أنَّ في ذلك إرهاق للأشخاص الذين ينحصر فيهم تحمّل المسؤوليَّة، واستلاب لحياتهم الشخصيَّة ولطبيعتهم الإنسانيَّة، واستهلاك لطاقتهم الإبداعيَّة (أعني قدرتهم على خَلْق أفكار جديدة وتقديمها بصورة مناسبة؛ وليس المعنى المحدود لكلمة إبداع). وفي الآخر، مِنْ حقّ الناس، بغضّ النظر عن أيّ شيء، أنْ ترى وجوهاً جديدة كلّ بضع سنوات.. على الأقلّ.
المهمّ، سيكون بإمكاننا الآن، زملائي في الهيئة الإداريَّة المنتهية مدّتها وأنا، أنْ نمتلك حريَّتنا بكلِّ أبعادها ومعانيها.. حريَّتنا في الاستفادة مِنْ وقتنا الخاصّ بالطريقة التي نراها مناسبة لنا؛ وحريَّتنا في التعبير عن أنفسنا مِنْ دون أنْ يكون في خلفيَّة ذهننا أنَّنا نمثِّل مؤسَّسة ثقافيَّة أردنيَّة عربيَّة مهمَّة، لها مصالحها، وتقاليدها، وتوجّهاتها، وعلاقاتها، التي مِنْ واجبنا أنْ نحرص على الانسجام معها، والتعبير عنها، في كلّ فعلٍ يصدر عنّا، وفي كلّ كلامٍ ننطقه.
لا أريد أنْ أتحدَّث عن الانجازات التي حقَّقتها الهيئتان الإداريَّتان اللتان ترأستُهما ابتداءً مِنْ صيف العام 2007؛ فالكثير منها موثَّق في تغطيات الصحافة وتقاريرها؛ وفي أرشيف الرابطة من الصور وأفلام الفيديو والوثائق والمستندات ما يعطي صورة واضحة وشاملة عن هذه الإنجازات. ولذلك، أترك الأمر للزمن ولحكم المنصفين والمتابعين النزيهين. ولكنّني أشير فقط إلى المكانة المميَّزة التي أصبحتْ تحتلّها الرابطة الآن في الحياة الثقافيَّة (والعامَّة) في بلادنا مقارنةً بما كانت عليه قبل ذلك. والأمر نفسه ينطبق على مكانة الرابطة الآن لدى الأوساط الثقافيَّة العربيَّة.
ما يهمّني هنا، بشكلٍ خاصّ، هو أنْ أشكر الناس الذين ساعدونا، ووقفوا إلى جانبنا، ومكَّنونا مِنْ أداء واجباتنا تجاه الرابطة، وخدمتها، على أفضل وجه ممكن. أُثبِّتُ هنا اعترافي بفضلهم ودورهم في كلّ ما أنجزناه؛ فأشكر في البداية زملائي في الهيئة العامَّة للرابطة على الثقة السخيَّة التي منحوها لزملائي ولشخصي، وآمل أنْ نكون قد قدَّمنا أداءً يبرِّر هذه الثقة ويرتقي إلى مستواها، كما أعتذر عن أيَّة أخطاء أو تقصيرات حدثتْ في سياق عملنا؛ وأشكر زملائي في تيَّار القدس في الرابطة الذين آزرونا ووقفوا إلى جانبنا ومكَّنونا من النجاح في عملنا، كما أشكر زملائي في الهيئتين الإداريَّتين اللتين ترأستُهما، الذين أُرْهِقوا بالعمل مِنْ أجل خدمة الرابطة ورعاية مصالحها.. يكفي أنْ أشير إلى  أنَّ الهيئة الإداريَّة الحاليَّة عقدت خلال مدَّة تحمّلها المسؤوليَّة 74 اجتماعاً، والهيئة الإداريَّة السابقة 67 اجتماعاً، ولم يكن عملنا يقتصر على الاجتماعات، بل كانت الاجتماعات هي أقلّ الأعمال جهداً؛ أشكر أسرتي: زوجتي وأولادي الذين ابتعدتُ عنهم بصورة غير مسبوقة بالنسبة لهم خلال السنوات الأربع الماضية، وقصَّرتُ كثيراً في أداء واجباتي تجاههم، فتحمَّلوا الأعباء المترتِّبة على ذلك، وسدّوا جوانب تقصيري بأنفسهم.. مِنْ دون يُبدوا كثيراً من التذمّر؛ أشكر أهلي: والدي ووالدتي خصوصاً، الذين تباعدتْ زياراتي لهم كثيراً خلال سنوات ترؤسي للرابطة، مقارنةً بما اعتدتُ (واعتادوا) عليه سابقاً؛ أشكر أشقّائي الذين لم يبخلوا عليَّ بالمساندة والدعم؛ كما أشكر الأقرباء والأصدقاء الذين ساندونا بكلِّ ما يقدرون عليه، وخصوصاً المجموعة التي أصبحت تُسمَّى الآن "أصدقاء الرابطة"، والتي قدَّمتْ دعماً سخياً ومتواصلاً ومتنوّعاً لأنشطة الرابطة ولمواقفها ولدورها؛ أشكر الهيئات الأهليَّة والرسميَّة ومؤسَّسات المجتمع المدنيّ التي تعاونتْ معنا وسهَّلتْ عملنا، والمسؤولين الرسميّين والشخصيَّات العامَّة والنشطاء الذين تعاملوا معنا بروحٍ إيجابيَّة، وساندوا مطالبنا واحتياجاتنا؛ وأشكر، كذلك، زملائي في النقابات المهنيَّة وفي مجلس النقباء للنقابات المهنيَّة؛ كما أشكر زملائي في الشركة العربيَّة لصناعة الاسمنت الأبيض التي أعمل فيها منذ زمنٍ طويل، ورئيس مجلس إدارتها السابق الأخّ العزيز الأستاذ علي المدادحة، ورئيس مجلس إدارتها الحاليّ الأخّ العزيز الأستاذ محمود قطيشات، ومدير عامّ الشركة، صديقي العزيز المهندس خالد الطراونة؛ حيث أنَّهم عملوا جميعاً على إتاحة وقتي كاملاً للعمل في الرابطة ومِنْ أجلها، وللكتابة، والقراءة، والأمور الثقافيَّة المختلفة. بل إنَّ صديقي المهندس خالد جعل مكتبي في الشركة مكتباً لرابطة الكتّاب الأردنيين، وُضِعتْ على بابه لافتة صغيرة بمسمَّى "رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين". ولقد مارستُ دوري كرئيس للرابطة مِنْ خلال هذا المكتب طوال السنوات الماضية، واستقبلتُ فيه ضيوفي الكثر من الكتّاب والمثقّفين بضيافة كريمة من الشركة. وهذا موقف إيجابيّ مقدَّر استحقّ منِّي التنويه ولفت النظر إليه، على أمل أنْ تقتدي به مختلف المؤسَّسات والهيئات والشركات في بلادنا.
وفي الختام فإنَّ أفضل شهادة تلقّيناها، زملائي وأنا، كانت خلال اليومين الماضيين؛ عندما عجز منافسونا عن إيجاد أيّ سبب لنقدٍ جدّيّ يوجِّهونه لنا، مع كلّ الأنشطة التي قمنا بها، والتغييرات الجريئة التي أجريناها، والأموال غير المسبوقة التي استجلبناها لدعم أنشطة الرابطة وبناء بنيتها التحتيَّة بصورة شاملة، فاتَّهمونا بالتساهل في إجراءات إنشاء بعض الفروع الجديدة للرابطة. نحن نفتخر بأنَّه أصبح للرابطة الآن أربعة فروع، هي: فرع إربد، وفرع الزرقاء، وفرع مادبا، وفرع البلقاء؛ بينما لم يكن لها عندما تسلّمنا مسؤوليَّتها سوى فرع واحد، هو فرع إربد. لقد سعينا عامدين متعمِّدين لنقل عمل الرابطة ودورها إلى المحافظات، بكلّ السبل الممكنة وبأشكال مختلفة. باختصار، نحن نقرّ ونعترف بأنَّنا تجرّأنا على تقديم كلَّ ما يلزم مِنْ التسهيلات وتبسيط الإجراءات (بل والتساهل، أيضاً)، لكلّ هذه الفروع (وليس لبعضها أو أحدها)، مِنْ أجل تمكينها من النشوء، وممارسة أنشطتها، وأكثر مِنْ ذلك، فقد حاولنا إنشاء سواها بنفس الطريقة، فلم تسعفنا الظروف ولا الوقت. وبناء عليه فإنَّنا نتحمّل المسؤوليَّة كاملةً عن وقوع هذه "الجريمة الخطيرة"، وما ترتَّب عليها مِنْ "فضيحة نكراء".. وما إلى ذلك.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال