جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣
الياس فركوح.. الصديق العزيز الجميل
رحل صديقٌ عزيزٌ جميلٌ آخر. رحل الياس فركوح الأديب الأردنيّ والعربيّ الكبير. عرفتُ الياس في سبعينيّات القرن الماضي. كان إنساناً رقيقاً ومرهفاً وجميلاً بالجوهر والمظهر. وكان مثقّفاً كبيراً، وأديباً مبدعاً رسم لنفسه هويّة خاصّة في الكتابة، وعُرِفَ بها محلّياً وعربيّاً.

كان الياس شديد التعاطف مع الناس، ومع أصدقائه بشكلٍ خاصّ. عندما كنتُ ملاحقاً في العام 1979، كان باله مشغولاً عليَّ جدّاً في شأن تفصيل صغيرٍ رومنسيّ.. كان يخشى أن يتمَّ اعتقالي في أيّ لحظة مِنْ دون أنْ أرى الربيع. فراح يبحث عنِّي في كلّ الأماكن التي كان يتوقّع وجودي فيها، ويسأل كلّ الأصدقاء المشتركين، إلى أنْ وجدني، فأخذني بسيّارته خارج عمّان لكي أرى الربيع. وكانت تلك مخاطرة كبيرة في تلك الأيّام.. أيّام الأحكام العرفيّة البغيضة. أكثر مِنْ مرَّة كرَّر هذه المخاطرة قبل اعتقالي.

كنتُ وإلياس – آنذاك – نمثِّل وجهتي نظر مختلفتين، بل متصارعتين؛ لكنَّنا، رغم ذلك، كنّا صديقين حميمين.

وعندما أُودِعتُ في سجن المحطّة، كان هو واحداً مِنْ قلّة من الزملاء والأصدقاء (بل وحتّى من الأقرباء) الذين غامروا بزيارتي في السّجن.

تباعدتْ اهتماماتنا في السنين الأخيرة، وأخذت كلٌّ منّا مشاغل الحياة بعيداً عن الآخر؛ لكنَّني لم أشعر يوماً بأنَّ المسافة بعيدة بيني وبين الياس أو يمكن أنْ تصبح كذلك. وفي أوقاتٍ كثيرة، كنتُ أقول لنفسي: لم أرَ الياس منذ مدّة طويلة؛ يجب أنْ أهاتفه وأراه. وها نحن اليوم قد فُجعنا برحيله الأبديّ.

الياس إنسان مميَّز.. الياس ليس من الأسماء التي يمكن أنْ تُنسى أو تمرَّ في الذاكرة مروراً عابراً. أقول هذا عنه كصديق لا  يمكن إلا أن تحبّه، وأقوله عنه بوصفه أحد الأسماء الكبيرة والمختلفة في الأدب الأردنيّ والعربيّ..

له المجد والخلود صديقنا العزيز الجميل الراحل، وله أطيب الذِّكر. 

وأحر التّعازي لأسرته وذويه.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال