جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

ّترجمة: ياسر قبيلات ▣
كيف يفكِّر الشيوعيون الروس اليوم (3)
في الجزء الثالث مِنْ مقابلته مع صحيفة «برلامانتني غازيتا» (الساعي البرلماني) التشيكية، يعود رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعيّ الروسيّ، غينادي زيوغانوف، إلى الماضي السوفييتيّ، فيتحدَّث – مِنْ ضمن ذلك – عن ظروف وحيثيات ما سُمِّي «الاجتياح السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا» على إثر ما عرف بـ«ربيع براغ 1968»، الذي من السهل أن يفهمه إنسان يومنا هذا بعد تعامله مع أكثر من ربيع مماثل؛ كما أنَّه يتحدَّث، أيضاً، عن دور غورباتشوف في أحداث صيف العام 1991، التي أدَّت إلى إنهيار الاتّحاد السوفييتيّ:

زيوغانوف: في آب 1991 ظهر الجوهر السياسيّ والأخلاقيّ لغورباتشوف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: ليس من المستبعد احتمال أن يظهر فيلم سينمائي عن فلاديمير إيليتش لينين، وفيه يمكن أن يلعب الدور الرئيسي، أي شخصية لينين، الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو. ما رأيك في هذا الاحتمال؟

الشيوعيون دعموا دائما ثقافة السينما والتصوير السينمائي والمميَّزين من العاملين في مجال الفن السينمائي. فلاديمير إيليتش لينين قال: «من بين كل الفنون، بالنسبة لنا السينما هي الأكثر أهمية». لقد أصبحت صناعة السينما واحدة من الركائز المهمة في التوعية الثقافية للعمال. وقد انتزعت السينما السوفيتية الاعتراف بها باعتبارها ظاهرة فريدة من نوعها على نطاق العالم. وفازت الأفلام التي قدمها صناع السينما السوفيتية بالجوائز في المهرجانات السينمائية في جميع أنحاء العالم. وهي لا تزال المفضلة لدى الملايين من الناس.

أما في ما يتعلق بليوناردو دي كابريو، فهو بالتأكيد شخص موهوب، وحقق انجازات رفيعة في مهنة التمثيل، وحصل بجدارة على جائزة الـ«أوسكار». موهبته لن يطالها الشك على مدار الزمن. غير أن المهم هنا في هذا الموضوع، هو السؤال عن ماذا سيكون محتوى الفيلم عن فلاديمير ايليتش لينين. لسوء الحظ، هناك العديد من الأمثلة حيث يتم تقديم تفسير فضفاض للتاريخ، هذا إذا لم يُعِد الكتاب والمخرجون كتابته وفقاً لخيال واهم. نأمل، في حالة وجود فيلم عن لينين أن يكون ممكناً تجنب ذلك.

س: من هو، من وجهة نظرك، المذنب الرئيس في انهيار الاتحاد السوفييتي؟ قرأت أن الشيوعيين الروس يودون لو يمثل ميخائيل غورباتشوف للمحاكمة بهذه التهمة. ولكن بأي قانون يمكن تقديمه للمحاكمة؟

خمس وعشرون عاماً تفصلنا عن أحداث أغسطس (آب) 1991 المأساوية، المتعلقة بالدور القصير الذي اضطلعت به «لجنة الدولة للطوارئ» ومحاولتها تغيير المسار الكارثي الذي دُفِعت إليه بلادنا. وبالنظر إلى الوراء، إلى تلك الأحداث وتقييمها، يتبدى واضحاً أن من الممكن، بل ويجب علينا، أن نتحدث عن خيانة جورباتشوف، يلتسين، ياكوفليف وشيفاردنادزه. لقد تصرفوا بأنانية مغرقة، فبذلوا قصارى جهدهم لتدمير تلك القوة العظمى، التي كانها الاتحاد السوفيتي. كان ينبغي على أعضاء «لجنة الطوارئ» وضع هؤلاء الخونة تحت الإقامة الجبرية. ولكن هذا لم يحدث. وبالمحصلة، وصلنا إلى ما وصلنا إليه: انهيار البلاد، التراجع الكارثي في عدد السكان، وتفاقم عدوانية رأس المال العالمي.

في تلك الأيام من أغسطس (آب) ظهر الجوهر السياسي والأخلاقي لغورباتشوف. بعد عودته من فوروس إلى موسكو، تنصل من الحزب وقدم توصية للجنة المركزية أن يحل الحزب نفسه. هكذا، اعترف بالطابع الإجرامي لجميع أنشطته، أمينا عاما. وأعطى إشارة واضحة ليلتسين عن استسلامه، ما فتح الطريق لإقامة واحد من أكثر الأنظمة رجعية وجنائية وجرمية في تاريخ روسيا. أعتقد أن هذا أساس معقول لإجراء محاكمة علنية لغورباتشوف وزمرته. لقد تسبب هؤلاء الناس بكثير من المعاناة لبلادنا، وللكثير من الشعوب حول العالم.

س: كيف تقيمون أحداث العام 1968، عندما دخلت الدبابات الروسية تشيكوسلوفاكيا؟ هل تنظرون إليها باعتبارها مساعدة من الاتحاد السوفيتي، أم تدخلاً في شؤون بلد آخر، أم محاولة لضمه؟

أي حدث هام يثير، في كثير من الأحيان، تقييمات مختلفة ومتعارضة. وبالتالي، من المهم أن نقترب من القصة بأكبر قدر ممكن من الموضوعية، مع تجنب العواطف والمواقف المسبقة المنحازة. الشيء الرئيسي – أن نأخذ بعين الاعتبار الوضع في حينه وكذلك موازين القوى، لا أن نحكم على الماضي، استنادا إلى أفكار وحيثيات اليوم. وللأسف، فإن ما يسمى بـ«ربيع براغ» عام 1968 لا تزال تحيط به الأساطير التي تصب سياسيا في صالح الغرب. وبالمناسبة، هذا شيء ينطبق أيضا على أزمات زمن «الحرب الباردة» الأخرى.

في الواقع، في بداية العام 1968 في تشيكوسلوفاكيا، جرت أول محاولة لتنظيم ثورة «مخملية». السلطات الجديدة في البلاد، آنذاك، وعلى رأسها دوبتشيك (1) تبنت سياسة ليبرالية معلنة، وبدأت بالتشكيك بسياسة أسلافها. وكانت هناك دعوات لتنفرد تشيكوسلوفاكيا بموقفها وعلاقاتها داخل المعسكر الاشتراكي، إلى جانب حملة جائرة مبرمجة لتغذيه المشاعر المعادية للسوفييت في المجتمع.

يجب، مع ذلك، أن نتذكر أن الحرب الباردة، حينها، كانت في أوجها. وقد انقسم العالم إلى نظامين: النظام الاشتراكي والرأسمالي. وكل واحد منهما قاتل من أجل استقراره. وقد رأى قادة الدول الاشتراكية الأخرى في ما كان يحدث في تشيكوسلوفاكيا تهديداً خطيراً للاشتراكية والأمن المشترك، بما في ذلك أمن تشيكوسلوفاكيا نفسها. وأول من دعا إلى التدخل كانوا قادة ألمانيا الشرقية وبولندا وبلغاريا. وبعد ذلك فقط ذهب قادة الاتحاد السوفييتي إلى خيار التدخل العسكري. كان ذلك قراراً جماعياً اتخذته بلدان حلف وارسو التي عمدت إلى ادخال جيوش الدول الخمس إلى تشيكوسلوفاكيا. وبالمناسبة، المعلومات تفيد بأن ذلك جاء مدفوعاً بحقيقة أن الولايات المتحدة كانت تدرس بجدية وتعد العدة في ذلك الوقت، وتحديداً منذ قبل شهر من تدخل حلف وارسو، لفكرة قيام حلف شمال الأطلسي بغزو تشيكوسلوفاكيا.

بطبيعة الحال، كان الغرب ينتظر فرصة للاستفادة من الانقسام في حلف وارسو لضرب الاتحاد السوفيتي وحلفائه. ولكني قرأت مذكرات غينادي زايتسيف، الضابط الشجاع، قائد وحدة «ألفا» (2)، الذي في أكتوبر 1993، رفض الانصياع لأوامر يلتسين المجرمة باقتحام مبنى البرلمان الروسي، وبالتالي أنقذ مئات الأرواح.

في عام 1968 كان زايتسيف يقود وحدة الدائرة السابعة في الـ«كي. جي. بي»، وشارك في عملية «الدانوب» (3). وهكذا، فإنه يكتب في مذكراته أنه لو لم يتدخل الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه، وإلا لكانت القيادة التشيكية، على الفور، قفزت من مرحلة «الاشتراكية ذات الوجه الإنساني»، إلى أحضان قوات حلف شمال الاطلسي. ولخسر حلف وارسو دولة مهمة استراتيجيا في أوروبا الوسطى. ولكان حلف شمال الأطلسي وصل إلى حدود الاتحاد السوفيتي. ولكانت اندلعت أعمال شغب في بولندا والمجر. ثم كان الدور سيأتي على دول البلطيق، وبعدها القوقاز. هذا هو رأي غينادي زايتسيف. وما كتبه حدث فعلا في نهاية المطاف، ولكن لاحقا بعد مرور عشرين عاما، في التسعينيّات.

اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم إلى واقعة أخرى: على الرغم من المقاومة التي حصلت، وعمليات إطلاق النار على الجنود السوفييت، وإحراق الدبابات وناقلات الجنود المدرعة، إلا أن الجنود لم ينجرّوا للاستفزازات، وحفظوا المدنيين. بينما، في ذلك الوقت نفسه، كان الأميركيون يحرقون فيتنام بالنابالم، ويعرّضونها إلى قصفٍ وحشيّ. وفي مكسيكو سيتي، في العام نفسه أيضاً، قُتل مئات الطلاب. لكن المجتمع الليبرالي التزم الصمت بعناد إزاء هذه الجرائم.

لسوء الحظ، اليوم، ينسى الكثيرون أن تشيكوسلوفاكيا حققت الكثير من المكاسب التي حظيت بها في تاريخها.. حققتها بحكم عضويتها في المعسكر الاشتراكي. كان لمنتجاتها سوقاً مستقراً. وكانت تحصل من الاتحاد السوفيتي على المواد الخام الرخيصة، التي كانت تغذي الشركات الصناعية التي تم تأسيسها هناك في تشيكوسلوفاكيا. وبفضل الطلبات السوفيتية فإن الصناعة التشيكوسلوفاكية كانت قادرة على زيادة الإنتاج في الفترة ما بين 1948 - 1969 نحو ثلاثة عشر ضعفاً.

س: ما رأيك بالرئيس التشيكي ميلوش زيمان؟

إنه رجل دولة من ذوي الخبرة. وتروقني رغبته في تنفيذ وقيادة سياسة جمهورية التشيك على نحو مستقل، بعيداً عن الطاعة العمياء لقرارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي تتعارض مع المصالح الوطنية للبلاد.

أنت تعرف، أنني دائما أكن الاحترام الكبير للأشخاص الذين يجيدون التفكير بعمق، ولا يخافون من التعبير عن رأيهم. رئيس جمهورية التشيك هو بالذات من هذا النوع من الأشخاص. زيمان لا يخاف أن ينبري في دعم روسيا، التي يضغطون عليها بالعقوبات، ويحيطونها بقواعد حلف شمال الأطلسي. وفي الآونة الأخيرة، قال عبارة حكيمة جدّاً: «الصاروخ يمكن استخدامه مرة واحدة فقط، أما الحوار مع روسيا فيمكن أن يكون دائماً». وهذا يتنافر مع التصريحات العدوانية التي يطلقها قادة أوروبيون آخرون، يرقصون على أنغام الولايات المتحدة!

ومن الأمور التي تكشف عن معدن ميلوس زيمان موقفه المبدئي إزاء تاريخ الحرب العالمية الثانية. أتذكر كيف أن رئيس جمهورية التشيك تصدى ووبخ بغضب، العام الماضي، رئيس وزراء أوكرانيا، آنذاك، ياتسينيوك، الذي هذر مجدداً بهذيانه المعهود من «الغزو السوفيتي لأوكرانيا وألمانيا». حينها قال زيمان أن هذه التلميحات هي «محاولة سافرة لقلب تاريخ الحرب العالمية الثانية رأساً على عقب».

أريد أيضاً أن أذكركم أن الرئيس التشيكي كان الوحيد من بين الزعماء الأوروبيين الذي وصل إلى موسكو للمشاركة في الاحتفال بمناسبة الذكرى الـ 70 للانتصار على النازية. وبسبب ذلك تعرض لحملة مسعورة من قبل واشنطن وبروكسل. بل وداخل جمهورية تشيكيا نفسها لم يسلم من القوى المعادية لروسيا. وفي الدفاع عن قراره، قال حينها: «مِنْ دون الاتحاد السوفيتي كانت مستحيلة هزيمة هتلر. وثمناً لهذا النصر دفع هذا البلد 20 مليون قتيل.. ولو كنت قبلت عدم المشاركة في احتفالات موسكو، لكنت أهنت ذكرى 150 ألف جندي سوفيتي ضحوا بحياتهم من أجل تحرير تشيكوسلوفاكيا»..

أريد أن أشكر ميلوس زيمان على هذا الموقف..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(1) ألكسندر دوبتشيك (1921 ـ 1992) سياسي وزعيم الحزب الشيوعي ورئيس البرلمان التشيكوسلوفاكي ومفجر حركة «ربيع براغ».

(2) قوات روسية خاصة تعمل في مهمات عديدة، نشأت ضمن الدائرة السابعة لجهاز الـ«كي جي بي»، هدفها مكافحة الإرهاب ومطاردة عناصر تهريب المخدرات والقضاء على المسلحين والانفصاليين.

(3) عملية الدانوب هي الاسم الرمزي لعملية تدخل حلف وارسو في تشيكوسلوفاكيا في العام 1968.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال