جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

لعبت أصوات النساء دوراً حاسماً في فوز مرشح حزب «حركة نداء تونس» الباجي قايد السبسي على رئيس تونس السابق منصف المرزوقي، وبلغ عدد أصوات الناخبات ستين بالمائة من مجموع الأصوات التي حصل عليها السبسي، فلماذا وكيف؟

بعد فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، أعرب الباجي قايد السبسي علانية عن امتنانه لنساء تونس اللواتي صوتن لصالحه بنسبة 61 بالمائة، مقابل 39 بالمائة فقط، حصل عليها منافسه، رئيس تونس السابق منصف المرزوقي. وحسب الهيئة المستقلة للانتخابات، فقد حاز الباجي قايد السبسي (88 عاماً) على 55،68 بالمائة من الأصوات مقابل 44،32 بالمائة للمرزوقي (69 عاماً)، في حين بلغت نسبة المشاركة 60،11 بالمائة.

نساء تونس فضَّلن السبسي على المرزوقي.. لماذا ؟وتوضح سعيدة قراش، رئيسة لجنة المرأة في حزب «حركة نداء تونس»، وهي أيضاً ناشطة سابقة في جمعية النساء الديمقراطيات، في حديثٍ لها مع DW الألمانيَّة (القسم العربيّ)، بأن فوز السبسي يعني في نهاية المطاف فوز النموذج المجتمعي التونسي الذي تأسس منذ بناء دولة الاستقلال وتميز خاصة بإصدار مجلة (قانون) الأحوال الشخصية وهي الميزة التي انفردت بها تونس عن غيرها من دول المنطقة العربية.

وتابعت قراش قائلة إنَّ النموذج التونسي «يستمد جذوره من الحركة الإصلاحية ومن فكر الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي كانت له إرادة شخصية وسياسية لتحرير المرأة».

وحسب قراش فإن «نداء تونس» كان الأكثر استقطاباً لأصوات النساء لكونه كان «أكثر الأحزاب التي قدمت خطاباً مطمئناً للناخبات حول الحفاظ على المكتسبات وتطويرها».

والحبيب بورقيبة هو الرئيس الأول لتونس ما بعد الاستقلال، وقد حكم البلاد من العام 1957 إلى العام 1987. وينظر إليه كمؤسس دولة الاستقلال والمهندس لسياسية نشر التعليم وتعميم الصحة وبرامج تحديد النسل، كما أنه عمل على منح المرأة حقوقاً مدنية وقانونية عبر سن تشريعات استثنائية في المنطقة العربية ومن بينها مجلة الأحوال الشخصية التي صدرت عام 1956 والتي تكرس لمبدأ المساواة بين الجنسين في العمل وتمنع تعدد الزوجات وتمنح المرأة حق طلب الطلاق ومنح الجنسية لأبنائها وغيرها من الحقوق.

من جهتها تعتبر منية العابد، العضو في هيئة المحاماة ومحامية لدى محكمة التعقيب، أن خارطة التصويت جاءت انعكاساً لانقسام الشارع، وقد فسَّرت لـDW بأن تصويت النساء العالي لمرشَّح حزب «حركة نداء تونس» كان مرده الخوف من التراجع عن المكتسبات التي حققتها المرأة منذ بناء دولة الاستقلال على اعتبار أن المرشح المنصف المرزوقي ينظر له على نطاق واسع كمرشح فعلي لـ«حركة النهضة الإسلامية» على الرغم من إعلان الأخيرة الحياد ظاهرياً في السباق الانتخابي الرئاسي.

وحسب الإحصائيات فإن أعلى نسبة من الأصوات حصل عليها منصف المرزوقي كانت من أنصار حزب «حركة النهضة الإسلامية».. بنسبة 70 من المائة استناداً إلى استطلاعات للرأي نشرتها مؤسسة «سيغما كونساي» التي قدمت إحصائيات متقاربة جداً مع النتائج الرسمية للانتخابات.

ومع أن المرزوقي شخصية عرفت بنضالها في مجال الحقوق والحريات، إلا أن منية العابد تعتبر الأداء المتعثر للمرزوقي في منصب الرئاسة والأخطاء التي ارتكبها طيلة ثلاث سنوات فضلاً عن ظهوره مع رابطات حماية الثورة، وهي جماعات متهمة بإشاعة العنف، وجماعات أخرى سلفية، خلال حملته الانتخابية – عوامل أطاحت جميعها بصورته كمناضل حقوقي.

وتوضح العابد، قائلةً، لقد «برز من خلال نتائج الانتخابات أن المشروع الحداثي المؤمن أكثر بمدنية الدولة كان الأقرب إلى الناخبات، وهو المشروع الذي بدد المخاوف التي سادت طيلة فترة الانتقال الديمقراطي في ظل الحكومة الإسلامية من التراجع عن التشريعات والقوانين المحررة للمرأة».

مع ذلك يعتبر القيادي البارز في حركة النهضة الإسلامية عبد الفتاح مورو الذي يشغل منصب النائب الأول لرئيس البرلمان أن الحديث عن مخاوف من تراجع مكتسبات المرأة غير مبرر بدليل أن الدستور التونسي الجديد حظي بتوافق جميع القوى السياسية داخل المجلس الوطني التأسيسي، وهو يعبر عن النموذج المجتمعي الذي يتبناه التونسيون. وبالتالي فإن أي تهديد لهذا النموذج هو خرق للدستور، حسب رأيه.

ومن جهته ينفي رفيق الحلواني المنسق العام لمنظمة «مراقبون» التي تعنى بمراقبة سير الانتخابات وتحليل المؤشرات والعينات الانتخابية أن تكون أسباب عزوف نسبة هامة من النساء عن التصويت للمرزوقي مرتبطة بالخوف من حدوث انتكاسة في حقوق المرأة لأن المرزوقي ناشط حقوقي بالأساس ولا ينتمي إلى تيار مناوئ لحقوق المرأة، حسب رأيه. لكنه يفسر نسبة التصويت الأعلى للسبسي من قبل النساء بكون الأخير يقدم نفسه كوريث للفكر البورقيبي الذي عرف في الذاكرة الوطنية بتكريسه لحقوق المرأة وبصورة «أب الشعب».

ويوضح الحلواني في حديثه لـDW أنه في كل دول العالم يحدث أن يكون أحد المرشحين أكثر جذباً لأصوات النساء لأسباب مختلفة كالوسامة أو الكاريزما أو القدرة على التواصل. وبخلاف ذلك يوضح الحلواني أن الحديث عن مخاوف من تراجع حقوق المرأة يعد خارج سياق التاريخ، مذكراً بأن تونس مثلاً كانت أولى الدول العربية، وحتى قبل دول غربية عدة، التي ودعت الرق منذ سنة 1846 ولم تحدث انتكاسة في هذا المجال بعد ذلك التاريخ إطلاقاً.

ويضيف الحلواني «ما يلاحظ في المنطقة العربية عموماً أن تونس تاريخياً كانت دائماً من الرواد في مجال معارك الحريات. قد تحدث انتكاسة في الديمقراطية أو الاقتصاد لكن اليوم أعتقد أنه يكاد يكون مستحيلاً التراجع عن مكاسب المرأة أيًّا كانت الاتجاهات السياسية، إسلامية أو حداثية أو يسارية».

وبعيداً عن التحليلات السياسية لنتائج الانتخابات فإن الملاحظين في تونس ينظرون إلى نسبة إقبال النساء على التصويت كمؤشر على مستقبل واعد لدور المرأة في الحياة السياسية وفي مؤسسات الدولة.

وتعتبر أنوار منصري، عضو جمعية رابطة الناخبات التونسيات وقاضي في المحكمة الإدارية، في تصريحٍ أدلت به لـDW، أن نسبة الإقبال العالية على التصويت من قبل النساء ونسبة الناخبات المسجلات إرادياً التي فاقت نسبة الرجال ببلوغها 50،2 بالمائة، دحضت جميعها الآراء الشائعة عن عدم اهتمام المرأة بالشأن العام وبالمجال السياسي أو عدم أهليتها للوجود في مراكز القرار.

وتوضح منصري أن إقبال المرأة على التصويت يجب أن يدفع الحكومة المقبلة إلى تفعيل النص الدستوري الذي ينص على تكافؤ الفرص في تحمل المسؤوليات. وتضيف قائلة «الحكومة المقبلة ستوضع على المحك وسنرى ما إذا كانت ستدفع بالمرأة إلى مراكز القرار وإلى المناصب الحكومية وجميع المجالس المنتخبة بعد أن كانت تصدرت الحراك الاجتماعي وساحات الاعتصام في مرحلة الانتقال الديمقراطي».

وتحتل المرأة التونسية اليوم أكثر من ثلث مقاعد البرلمان بنسبة 31،33 بالمائة أي 68 من مجموع 217 مقعداً. وهي نسبة تفوق المعدل العالمي البالغ 20 بالمائة كما أنها تتجاوز نسبة حضور المرأة في عدة برلمانات أوروبية. وكان القانون الانتخابي قد فرض التناصف بين الجنسين في القوائم الانتخابية بهدف تكريس المساواة بين الجنسين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مركز DW الإعلاميّ الألمانيّ - الكاتب طارق القيزاني- تونس

تاريخ نشر المقال لدى DW: 27 كانون أوَّل 2014

تاريخ نشره في المدوَّنة: 31 كانون الثاني 2014
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال