جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

آنا فيليمونوفنا  
ترجمة: ياسر قبيلات ▣


16 تشرين أوَّل/ أكتوبر بلغراد.

اليوم، المدينة تحتفل بذكرى ذلك الحدث، الذي له أهميَّة خاصَّة بالنسبة للشعوب الصربيَّة والروسيَّة - الذكرى الـ70 لتحرير بلغراد من الغزاة النازيين. للمرَّة الاولى منذ نحو 30 عاماً يقام في عاصمة صربيا استعراض للقوّات المسلَّحة مع معدَّات عسكريَّة وأسلحة.
نموذج للاستعدادات الصربيَّة لاستقبال الرئيس الروسيّ بوتين

وشارك في هذه المناسبة فريق الاستعراض الجويّ الروسيّ «ستريجي» بطائراته الميغ 29.

عشيَّة زيارته لبلغراد، منح الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين مقابلة مع الصحيفة الصربيَّة «السياسة»، معبّراً عن شكره «للأصدقاء الصربيين على مظاهر الاحترام التي قدَّموها لذكرى الجنود السوفييت، الذين قاتلوا، كتفاً إلى كتف، مع جنود جيش التحرير الشعبيّ اليوغوسلافيّ ضدَّ المحتلين النازيين»، خلال سنوات الحرب العالميَّة الثانية.


وقال فلاديمير بوتين، «قُتل على أراضي يوغوسلافيا السابقة، وجرح أو فقد أكثر من31 ألف جنديّ وضابط من الجيش الأحمر. كما خاض نحو ستَّة آلاف من المواطنين السوفييت الحرب ضدَّ الغزاة في صفوف جيش التحرير الشعبيّ اليوغوسلافيّ». «مأثرتهم»، أكَّد الرئيس، «جَلَبَتْ النصر المشترك على النازيَّة، وستبقى إلى الأبد في الذاكرة الجماعيَّة شاهداً على الشجاعة وقوَّة الإرادة التي لا تقهر، ومثالاً على الخدمة المتفانية للوطن».
 

وقال القائد الروسيّ «من الصعب تقدير قيمة احتفالات اليوم. قبل سبعين عاماً، سحقت دولتانا معاً أيديولوجيَّة كراهية الانسانيَّة المجرمة، التي هدَّدت وجود الحضارة البشريّة». وأضاف «إنَّ الإيمان بالأعراق النقيَّة والمصطفاة، ومحاولة تحقيق أهداف جيوسياسيَّة مشكوك فيها بأي وسيلة، وخرق القواعد الأساسيَّة للأعراف والأخلاق الإنسانيَّة وتجاوز القانون»، «يقود إلى عواقب وخيمة».
 

ويبدو للوهلة الأولى أنَّ هذه التعريفات التي يحشدها بوتين تحاول أنْ تصف ألمانيا النازيَّة. ولكنَّها في الحقيقة تشير، بكلّ وضوح، إلى الولايات المتَّحدة وحلف شمال الاطلسيّ باعتبارهما كتلة أيديولوجيَّة تبرّر نفسها بتفرّدها وتعتمد أساليب متطرّفة في تنفيذ سياساتها. وهي الأمور نفسها التي تجعل النازيَّة حتَّى بعد مرور 70 عاماً كينونة شريرة، وظاهرة قاتلة ومميتة. وخطيرة، خصوصاً بالنسبة للبلدان التي تدرك أنَّ واحدة مِنْ أهمّ شروط البقاء بالنسبة للدولة القوميَّة اليوم هو البحث عن حلفاء، يمكنها التعاون معهم ويضمن هذا التعاون حفاظها على سيادتها، وأنْ تطوّر اقتصادها بشكل طبيعيّ.
 

في عام 1999، هاجمت يوغوسلافيا 1200 طائرة لحلف شمال الأطلسيّ، مسلَّحة بأفظع وسائل الدمار الحديثة، بما في ذلك الأسلحة المحرَّمة بالقانون الدوليّ. وخلال هذه العمليَّة، قتلت قوات حلف شمال الاطلسيّ أكثر مِنْ ثلاثمائة ألف إنسان، والغالبيَّة العظمى منهم هم من المدنيين. وعانى اقتصاد البلاد خسائر فادحة، بلغت وفقاً لتقديرات متحفّظة 100 مليار دولار على الأقل. الآن، في أراضي «نوفوروسيا» (روسيا الجديدة) ينفّذ الجيش الأوكرانيّ والمليشيات الانتقاميَّة والمرتزقة الأجانب ليس مجرد عمليَّات انتقام عنصريَّة، بل عمليَّة تخريب وإجرام إرهابيَّة مفتوحة. وتترجمت النتيجة المنطقيَّة لهذه الإجراءات بعدم الرغبة القاطعة مِنْ سكّان «نوفوروسيا» بالبقاء ضمن هذه الدولة التي أعادت إحياء الأساليب النازيَّة في التعامل مع المدنيين.
 

«يجب علينا أنْ نفعل كلَّ شيء لمنع مثل هذه المآسي في المستقبل» - قال الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، مستنتجاً أنَّ «اللقاح ضدَّ فيروس النازيَّة الذي تمَّ انتاجه في محاكمات نورمبرغ، فقد فعاليَّته في بعض البلدان الأوروبيَّة. والأدلَّة الواضحة - تتمثَّل بالمظاهر العلنيَّة للنازيَّة الجديدة، التي أصبحت شائعة في لاتفيا ودول البلطيق الأخرى».
 

ووصف الرئيس الروسيّ بوضوح الوضع في أوكرانيا بأنَّ ما يجري هو «انقلاب على الدستور، تقف وراءه مجموعات من القوميين والجماعات المتطرّفة الأخرى». «اليوم واجبنا المشترك»، قال بوتين، في «وقف تمجيد النازيَّة، والتصدّي بشدّة لمحاولات قلب نتائج الحرب العالميَّة الثانية، وعلى الدوام مكافحة جميع أشكال ومظاهر العنصريَّة وكراهية الأجانب والنزعة القوميَّة العدوانيَّة والشوفينيَّة».
 

وحول العلاقات الصربيَّة الروسيَّة، توقَّف رجل الدولة الروسيّ عند جانبين: «الصداقة الصادقة لشعوبنا، على أساس مشاعر التعاطف المتبادل واحترام العلاقة الروحيَّة الحميمة والأخوَّة في السلاح خلال الحرب العالميَّة الثانية» والشراكة الاستراتيجيَّة بين روسيا و صربيا اليوم هي «أمر حيويّ لتطوير بلداننا». في غضون عدَّة سنوات من الجهد المتواصل لتعزيز التعاون الثنائيّ شقَّت العلاقات الروسيَّة الصربيَّة طريقها وهي الآن "آخذة في الارتفاع»، والوضع العامّ يسمح الآن لوضع خطَّة حول "تعاون واسع النطاق في جميع المجالات الرئيسيَّة».


وأعرب بوتين عن ارتياحه لتطوّر العلاقات الاقتصاديَّة بين البلدين، التي من المتوقع أنْ تبلغ ملياري دولار بحلول نهاية العام الحاليّ. في حين تجاوز حجم الاستثمارات الروسيَّة في صربيا ثلاثة مليارات دولار. وكان المثال الايجابيّ على التعاون الناجح هو شركة «الصناعات النفطيَّة الصربيَّة»، التي تحوَّلت مِنْ خلال التعاون المشترك مِنْ شركة خاسرة وعبء اقتصاديّ إلى أحد المصادر الرئيسيَّة لدعم وتمويل الدولة الصربيَّة؛ وكذلك تنفيذ مشروع (السيل الشماليّ) الذي سيمدُّ صربيا بما لا يقل عن 2 مليار يورو من الاستثمارات الجديدة، ويعزّز إلى حدّ كبير أمن الطاقة فيها؛ وبمساعدة «السكك الحديديَّة الروسيَّة» ودعم المقرضين الروس سيتمّ تنفيذ مشاريع إعادة إعمار وتحديث البنية التحتيَّة للسكك الحديديَّة الصربيَّة؛ وهذا إلى جانب الاهتمام بتمكين أصحاب المشاريع الصرب في السوق الروسيّ الواعد لتوريد المنتجات الزراعيّة المصنَّعة ذات الجودة. 


لقد أظهرت تقاليد الصداقة الروسيَّة الصربيَّة والمساعدة المتبادلة بالكامل أهميَّتها في الفترة الأكثر صعوبة بالنسبة لصربيا خلال الفيضانات، لا سيّما مع جهود المنقذين الروس وخبراء المركز الإنسانيّ الروسيّ الصربيّ في نيش، الذين قدَّموا المساعدة في الوقت المناسب واتَّخذوا الإجراءات الفعَّالة لمعالجة آثار الكارثة الطبيعيَّة. وفي الحديث عن الجانب الإنسانيّ أشار الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، إلى رحلات طائرات وزارة الشؤون الطارئة الروسيّة إلى صربيا التي ألقت أكثر مِنْ 140 طناً من المساعدات الإنسانيَّة الملحَّة. في الوقت نفسه الذي أحجم فيه الشركاء الغربيون عن تقديم مساعدة غير مشروطة. أمّا الاتّحاد الأوروبيّ فقد قدَّم لصربيا للتغلّب على آثار الفيضانات 300 مليون يورو، ولكنّها كانت على شكل قروض.


إنَّ زيارة الرئيس الروسيّ الى بلغراد منحت «زخماً جديداً وقويّاً لعلاقات الصداقة التاريخيّة الروسيّة الصربيّة، التي سوف تنمو وتتعزّز عاماً بعد عام»، لا سيّما أنَّ صربيا تمثِّل فرصة فريدة لتجديد الشراكة الروسيَّة مع صربيا وبدء إعادة بناء اقتصادها على نحوٍ شامل بعد العقوبات الغربيَّة المدمِّرة، وبعد قصف الناتو، وبعد كل المحاولات لتحويل صربيا الى محميَّة محرومة. وهذا هو ما يمكن أنْ يتمنَّاه أيّ بلد يحرص على سيادته. فالشرط الرئيسيّ لذلك هو القدرة على التمييز بين الأصدقاء الحقيقيين مِنْ أولئك الذين يقدِّمون أنفسهم كأصدقاء، ولكنَّهم بحكم فروض التاريخ والجيوسياسة لن يكونوا إلا عدوّ الشعب الصربيّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نُشِرَ هذا المقال في أكثر مِنْ وسيلة إعلام روسيَّة بمناسبة زيارة الرئيس بوتين لصربيا في ذكرى تحرير بلغراد من النازيَّة. وقد تمَّتْ ترجمته بنصّه المنشور في موقع «الخط الشعبيّ الروسيّ»: http://ruskline.ru/

ويجدر بنا أنْ نوضّح هنا بأنَّ محرِّر المدوَّنة قد تصرَّف بصيغة عنوان المقال في ضوء وصف الإعلام الروسيّ لزيارة بوتين هذه بأنَّها ترمز إلى ما أسماه التحرير الثاني لبلغراد.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال