جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣


بدأ سريان وقف إطلاق النار في أوكرانيا في الساعة السادسة مِنْ مساء أمس بتوقيت موسكو. وبهذا يكون الغرب (وعلى رأسه الولايات المتَّحدة) قد سجَّل فشلاً آخر في قائمة الفشل التي سطَّرها خلال السنوات الأخيرة.

فأوَّلاً، انفردت الولايات المتَّحدة بالهيمنة على العالم منذ العام 1991؛ أي بعد انهيار الاتِّحاد السوفييتيّ؛ ولكنَّها لم تحسن التعامل مع هذه الهبة الثمينة التي وقعت في أحضانها؛ فظنَّتْ أنَّ أفضل شيء تفعله بها هو أنْ تعود بالعالم إلى القرن الثامن عشر، فتعيد إحياء سياسات البوارج الحربيَّة، والإملاءات الاستعماريَّة، ونمط الرأسماليَّة المتوحّش.

وطبعاً، وقفتْ إلى جانبها، في تنفيذ هذه السياسة الرعناء، أوروبّا واليابان مسلوبتا الإرادة. وبالنتيجة، وجدتْ المراكز الرأسماليَّة الدوليَّة الغربيَّة نفسها تعيش في أزمةٍ اقتصاديَّة طاحنة، لا سبيل إلى حلِّها، منذ العام 2008. ثمَّ راحت تخسر هيمنتها المنفردة على العالم على إثر عدوانها الهمجيّ على أفغانستان والعراق.

ثانياً، خسرت الولايات المتَّحدة (والعواصم الأوروبيَّة الإمبرياليَّة) نفوذها في دول أميركا اللاتينيَّة التي كانت تُسمَّى سابقاً «الفناء الخلفيّ للولايات المتَّحدة»، كما كانت تُسمَّى، أيضاً، لفترة طويلة، «جمهوريَّات الموز»، نسبةً إلى شركة الموز الأميركيَّة. فها هي تلك الدول، بعد انشغال الولايات المتَّحدة في احتلال أفغانستان والعراق، تستعيد حريَّتها واستقلالها، وتشقّ طريقها نحو النهوض، فرادى، وبشكلٍ مشترك.. مِنْ خلال «مجموعة دول الكاريبيّ وأميركا اللاتينيَّة» التي كان أهمّ هدف معلن مِنْ أهداف إنشائها هو التخلّص من هيمنة الولايات المتَّحدة.

ثالثاً، خسرتْ الولايات المتَّحدة وشقيقاتها الأطلسيّات (المغلوبات على أمرهنّ) عدداً من الأنظمة التابعة الأساسيَّة في البلاد العربيَّة؛ نظام حسني مبارك، على سبيل المثال، ونظام زين العابدين بن عليّ، ونظام علي عبد الله صالح. وقد أصبحت الأنظمة التابعة الأخرى في وضع لا تُحسد عليه.

رابعاً، فشل مشروع انقاذ الأنظمة التابعة الذي اعتمدتْ فيه الولايات المتَّحدة على «الإخوان المسلمين»؛ إذ توهَّمتْ أنَّها يمكن أنْ «تُضمِّن» تلك الأنظمة لهم («الإخوان») ليقوموا بإدارتها بالنيابة عنها، مقابل حفاظهم على جوهرها التبعيّ وعلى سياساتها الاقتصاديَّة الليبراليَّة المتوحِّشة، عن طريق خداع المواطنين البسطاء بالمفردات الإسلامويَّة الزائفة؛ لكنَّ هذا المشروع لم يصمد سنةً واحدة، لحسن الحظّ، وإلا لكان أدخل الأمّة العربيَّة في غيبوبةٍ تامّة وأخرجها لزمن غير معلوم من التاريخ. وها هي مصر وتونس واليمن تقف، الآن، على مفترق طرق؛ حيث ثمَّة احتمال فيها كلّها لتجاوز حالة التبعيَّة والسير في طريق الاستقلال والنهوض. وبالطبع ثمَّة احتمال آخر وارد أيضاً وهو أنْ تتغلَّب فيها (أو في بعضها) صيغة جديدة للتبعيَّة. فهذه الآن مسألة صراع بين قوى سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة متناقضة؛ في حين أنَّ الموقف كان في السابق محسوماً لصالح التبعيَّة.

خامساً، فشل توظيف الولايات المتَّحدة (والغرب)، للجماعات الوهَّابيَّة التكفيريَّة (وللدول التابعة) في مشروع إسقاط سوريَّة واستتباعها، الذي يمثِّل محاولةً لاستنساخ تجربتهم الإجراميَّة المشتركة في اسقاط جمهوريَّة أفغانستان الثوريَّة وتحويلها إلى دولة فاشلة. فقد تحوَّل مشروعهم في سوريَّة إلى كارثة إنسانيَّة وقيميَّة وحضاريَّة هائلة. وراحتْ مشاهد الجرائم الفظيعة، التي لا تكفّ الجماعات التكفيريَّة عن مقارفتها (والتباهي بها) في سوريَّة والعراق، تتجاوز كلَّ حدود الممكن والمعقول ويصعب تبريرها أو غضّ النظر عنها. إضافة إلى ذلك، فقد تشعَّبتْ تلك المجموعات في دروب إجرامها، وانحرفتْ أحياناً عن الطريق المرسوم لها، فإذا بها – كعرضٍ جانبيّ لعملها – تهدِّد أمن واستقرار إقطاعيَّة أمراء الحرب في كردستان العراقيَّة التي تحوي قواعد عسكريَّة (واستخباريَّة) مهمّة للأميركيين و«الإسرائيليين» (أي لمشغلي تلك المجموعات ورعاتها)، كما بدأتْ تلوح بوضوح احتمالات جدّيَّة لامتداد الفوضى، التي بثَّتها تلك المجموعات، إلى بعض الدول التابعة الأساسيَّة في المنطقة.

والآن، ها هي مؤامرة الولايات المتَّحدة وحلفائها وأتباعها لاستتباع أوكرانيا، وتهديد روسيا في عقر دارها، تفشل فشلاً ذريعاً، هي الأخرى، وترتدّ عليهم. حيث استغلَّت روسيا هذه الفرصة السانحة، لتستعيد القرم، وتبسط سيطرتها، عمليّاً، على جنوب وشرق أوكرانيا.

وفي النهاية، عندما سمع «أوباما» أمس بأنَّ رئيس أوكرانيا (بيترو بوروشينكو) قد وافق على وقف اطلاق النار بشروط روسيا وحلفائها، لم يجد ما يقوله سوى ما يمكن ترجمته باللهجة الأردنيَّة: أنداري!
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال