جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات -

يبدو أنَّ تشدّد الغرب المبالغ فيه، في ما يتعلَّق بالوضع في أوكرانيا، قد أفضى في النهاية إلى تشدّد مماثل لدى روسيا؛ فها هو الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين يتخلَّى عن تحفّظه، بهذا الشأن، ويعتَبر أنَّ المحادثات حول انهاء النزاع في أوكرانيا يجب أنْ تتطرق إلى إقامة دولة شرق البلاد.
     
جاء هذا في إطار ما نقلته عنه وكالات الأنباء الروسيّة، اليوم الأحد 31/8/2014؛ مِنْ تصريحاتٍ قال فيها: «يجب أنْ نبدأ فوراً محادثاتٍ جوهريَّة، حول قضايا التنظيم السياسيّ للمجتمع وإقامة دولة في جنوب شرق أوكرانيا بهدف حماية المصالح المشروعة للشعب المقيم هنا».
 
(كان المسؤولون الروس، قبل ذلك، يتحدَّثون، في الحدِّ الأقصى، عن «الحُكم الذاتيّ»، كحقٍّ شرعيّ للسكّان في شرق أوكرانيا. ويطالبون بمنحهم إيَّاه، في إطار الدولة الأوكرانيَّة الواحدة).
وقال بوتين، أيضاً، في تصريحاته اليوم، إنَّ روسيا لا تستطيع أن تقف موقف المتفرج اللامبالي مما يجري في أوكرانيا التي تشهد اغتيالات تستهدف الناس رمياً بالرصاص. وإنَّه كان لا بدّ لروسيا من القيام بالردّ المناسب لأنّه يعيش هناك الأقرباء والأصدقاء.
وأوضح أنَّه كان يجب على الغرب أنْ يتحسَّب كثيراً ويحسب لرد فعل روسيا المتوقع ألف حساب، قبل الإقدام على تأييد السلطة الانقلابية في العاصمة الأوكرانية «كييف» وأفعالها.
 
ومن الجدير بالذكر، أنَّ دول الاتِّحاد الأوروبِّيّ كانت قد أعلنت نيَّتها إطلاق موجة جديدة من «العقوبات» ضدّ روسيا؛ بيد أنَّها ما لبثتْ أنْ تروَّتْ قليلاً و«مَنَحَتْ» روسيا «مهلةً» مدّتها أسبوع لتغيير موقفها في ما يتعلَّق بأوكرانيا.. وإلا فإنَّها ستفرض عليها عقوبات جديدة.
وقد رحَّبَت الولايات المتحدة بإعلان الأوروبيين هذه «المهلة لروسيا» قبل فرضهم عقوباتٍ جديدة عليها.

غير أنَّ التطوّر الأبرز في هذا المجال، والذي ربَّما كان هو ما أثار روسيا أكثر مِنْ سواه، لما يمثِّله مِنْ تهديد صريح لأمنها واستقرارها ومصالحها، هو إعلان رئيس الوزراء الأوكرانيّ أرسيني ياتسينيوك أنَّ أوكرانيا تنوي إعادة إطلاق عملية انضمامها إلى حلف الأطلسي في مواجهة ما أسماه «العدوان الروسيّ». وقد جاء ذلك في اجتماعٍ لمجلس الوزراء الأوكرانيّ، حيث قال ياتسينيوك إنَّ الحكومة ستقدّم إلى البرلمان مشروع قانون يهدف إلى إلغاء وضع أوكرانيا كدولة محايدة والعودة بها إلى طريق الانضمام إلى الأطلسيّ.
 
وهذا في حين أكَّد حلف الأطلسيّ أنه لن يغلق الباب أمام أوكرانيا إذا رغبت في الانضمام إلى صفوفه. حيث خاطب أمينه العام أندرس فوغ راسموسن ممثِّلي الدول الأعضاء في الحلف، في ختام اجتماع طارئ لهم في بروكسل، فقال: «اسمحوا لي أنْ أذكِّركم بالقرار الذي اتخذه الحلف في 2008 وينصّ على إمكانية أنْ تصبح أوكرانيا دولة عضواً» في الحلف. وأكمل قائلاً إنَّ كلّ دولة «لها الحقّ بأنْ تقرّر بنفسها مِنْ دون تدخل خارجيّ».
 
لقد لامستْ هذه التصريحات عصباً حسَّاساً لدى الروس؛ لذلك، ردَّتْ وزارة الخارجية الروسيّة، عليها، ببيانٍ اتَّهمتْ فيه حلف الأطلسيّ باستغلال الأزمة الناشبة في أوكرانيا لتحسين صورته لدى الدول الأعضاء وتبرير وجوده مِنْ خلال حشد هذه الدول لمواجهة تهديد خياليّ، وزيادة النفقات العسكريَّة، وكذلك دعم فكرة ضرورة الإبقاء على حلف الأطلسيّ في القرن الحادي والعشرين.
 
 ووصفتْ الوزارة تصريحات راسموسن، تلك، بأنَّها صِداميَّة وأنَّ حلف الأطلسيّ لم يقدم في الأشهر الأخيرة أي أجندة بناءة لأوكرانيا مما زاد من الاضطراب في المنطقة.
 
وبرأي وزارة الخارجيَّة الروسيَّة فإنَّ كلَّ ذلك يدلّ على أنّ الأطلسيّ «مازال غير قادر على التمييز بين المصالح الطويلة المدى المتعلِّقة بتوطيد الاستقرار والأمن في المنطقة الأوروبيَّة الأطلسيَّة، وبين الأهداف الضيقة الخاصة به».
 
وتأتي هذه التحرّكات الغربيَّة المتشدِّدة، وكذلك الردّ الروسيّ المتشدِّد عليها، في ظلّ ما تشهده الجبهة العسكريَّة في شرق أوكرانيا مِنْ سخونة متزايدة، وفي ظلّ الانجازات العسكريَّة الكبيرة التي أخذتْ تحقِّقها مؤخَّراً قوَّات الدفاع الشعبيّ ضدّ قوَّات «كييف».
من الواضح أنَّه إذا كان الغرب يصرّ على ضمّ أوكرانيا إليه (وخصوصاً إلى حلفه الأطلسيّ)، بأيّ ثمن، فإنَّه لن يحصل عليها كاملةٍ؛ بل فقط على أقلّ أجزائها أهميَّةً وأكثرها عبئاً (وإلى حين أيضاً).
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال