جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣

يتَّهِم بعض مؤيّدي الإسلام السياسيّ كلّ مَنْ يبدي تخوّفاً مِنْ توجّهات الإسلاميين الهادفة للسيطرة على السلطة والانفراد بها بأنَّه غير ديمقراطيّ.. لأنَّ صندوق الاقتراع هو الحَكَم، كما يقولون.

نعم صندوق الاقتراع هو الحكم في ظروف انتخابيَّة ديمقراطيَّة ونزيهه وعادلة، وبشرط التزام جميع القوى والتيّارات المتصارعة بأنْ يبقى صندوق الاقتراع هو الحكم دائماً.. لا أنْ يتمّ استخدامه لمرَّة واحدة يصل فيها البعض إلى السلطة وبعدها يقوم بالاستغناء عن ذلك الصندوق والاستحواذ على السلطة نهائيّاً مستعيناً بتفسيره الخاصّ (والقاصر) للنصّ الدينيّ.

وهذا أحد الأسباب المهمّة التي دفعت القوى السياسيَّة المدنيّة والشبابيَّة المصريَّة، التي أطلقت انتفاضة 25كانون الثاني (يناير)، إلى المطالبة بإصدار وثيقة استرشاديَّة تكون فوق الدستور مِنْ أجل ضمان استمرار الديمقراطيَّة وتحقيق مدنيَّة الدولة، في مواجهة النوازع الذاتيَّة الضارّة  لبعض القوى السياسيَّة. وهذه ليست بدعة، ونذكِّر، في هذا المجال، بوثيقة الماغناكارتا البريطانيَّة وإعلان حقوق الإنسان الأميركيّ، كمثالين بارزين على ذلك.

فلماذا جُنَّ جنون الإسلام السياسيّ، إذاً، عند بدء وضع هذه الوثيقة الضروريَّة، وقام بالضغط المكثَّف على المجلس العسكريّ مِنْ أجل صرف النظر عنها، وخصوصاً ما ورد فيها مِنْ إشارة إلى مدنيَّة الدولة؟!

لو كانوا يقبلون بالآخرين المختلفين عنهم، وبالاحتكام إلى قواعد الديمقراطيَّة كما هي معروفة في كلّ بلاد العالم، ويحترمون الاجتهادات والأفكار المخالفة لهم، ويسلِّمون بتنوّع الثقافات ويراعونه، ويحترمون الحريّات العامَّة والشخصيَّة والأنماط المختلفة لحياة الناس، فما الذي يضيرهم، إذاً، من الاتّفاق على هذه الوثيقة التأسيسيَّة وإصدارها؟

ألا يعني هذا أنَّهم يبيِّتون النيَّة للانقضاض على الديمقراطيَّة وإلغائها بأدواتها نفسها (شكليّاً طبعاً) ما أنْ توصلهم إلى السلطة؟

فهل يحقّ لتيّار ما عندما يصبح أكثريَّة برلمانيَّة أنْ يغيِّر قواعد الحياة السياسيّة عن طريق تغيير النصوص الدستوريَّة وإفراغها مِنْ محتواها الديمقراطيّ وتحويلها إلى أداة زائفة لتشريع ديكتاتوريَّة جديدة، أشدّ قسوة، وتهدف إلى ضمان بقاء تيَّار واحد في السلطة وإقصاء بقيَّة التيّارات؟

لقد وصل هتلر وموسوليني ونابليون الثالث إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ولكنَّهم افتعلوا مواقف مختلفة واستخدموها كذرائع لإلغاء صناديق الاقتراع، نفسها، والبقاء في السلطة إلى ما لا نهاية.

ولذلك، فإنَّ اتِّفاق القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة على قواعد الحياة الديمقراطيَّة في مرحلتها التأسيسيَّة، عبر وثيقة المبادئ الدستوريَّة، أو ما يماثلها، إنَّما هو ضرورة قصوى للجميع وللديمقراطيَّة نفسها. وهذه المبادئ لا تُصاغ، عادةً، بالاستناد إلى معادلة الأكثريَّة والأقليَّة، أي بتغليب رأي الأكثريَّة على ما عداها؛ هذا صائب في الظروف والأحوال اليوميَّة الطبيعيَّة؛ أمَّا في الأحوال التأسيسيَّة، وفيما يتعلَّق بالقواعد الأساسيَّة، فتُعامَل آراء (وحقوق ومصالح) جميع الفئات والتيّارات على قدم المساواة؛ بل إنَّ الهدف مِنْ مثل هذه الوثائق هو في العادة حفظ حقوق الأقليَّة، بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى حقوق المواطنين عموماً، مِنْ تعسّف الأكثريَّة عليها؛ وضمان استمرار الحياة الديمقراطيَّة والحيلولة دون تجاوز الفائزين بالسلطة عليها.

وفي ديمقراطيَّة حقيقيَّة قد يكون تيّار ما هو الأغلبيَّة اليوم، وسواه أقليّة؛ وقد يحدث العكس تماماً في مرحلة لاحقة.

فأيّ ديمقراطيَّة هذه، إذاً، وأيّ ديمقراطيّون هؤلاء الذين يقبلون، على سبيل المثال، أنْ يصدر القرضاويّ فتوى سياسيَّة بجلباب دينيّ، لصالحهم، يكفِّر بموجبها القوى والتيّارات والفئات المختلفة، عداهم، ويدعو الناخبين المصريين إلى منحهم أصواتهم، دون سواهم، تحت طائلة التكفير، والتهديد بجهنّم، مِنْ جهة، والوعد بالجنَّة، مِنْ جهةٍ أخرى؟!

في ما اصطلح المصريّون على تسميتها "حمعة قندهار الثانية"، إشارة منهم لنوع الإسلام السياسيّ الذي حاول البعض (مِنْ داخل مصر وخارجها) فرضه على الشعب المصريّ العظيم، متوهّمين أنَّه يمكن تحويل الحياة في مصر الحضارة والتقدّم والثقافة والعلم إلى نسخة مقلّدة من الحياة في السعوديّة وأفغانستان (أو السودان).. في تلك الجمعة القندهاريَّة طالب الإسلاميّون الوهّابيّون، عموماً، بإلغاء فكرة وثيقة المبادئ الدستوريَّة.

أمَّا في تونس، التي يُشاع أنَّ الإسلام السياسيّ فيها أكثر تحضّراً وانفتاحاً، فقد وقف قيادي بارز في حزب النهضة (الجباليّ)، أمام حشدٍ مِنْ أنصار تيَّاره، وأعلن أنَّه يريد استعادة الخلافة الإسلاميَّة! وهو الأمر الذي لم يعلنه حزبه (ولا هو شخصيّاً) في أثناء الحملة الانتخابيَّة للفوز بمقاعد البرلمان، ولا وضعه في برنامجه الانتخابيّ.  وهذا يُعدّ بمثابة اعتراف ضمنيّ بأنه كان يمارس الخداع على الناخبين ويستغفلهم.

كيف يمكن للديمقراطيَّة أنْ تتحقّق في ظلّ الفساد (والإفساد) السياسيّ العلنيّ الذي مارسته، وتمارسه، قوى الإسلام السياسيّ برشوتها الناخبين، ماليّاً وبمواد عينيّة، واستخدامها مقولات الكفر والإيمان في الحملات الانتخابيَّة ولأغراض سياسيَّة؟

وفي مصر، كما في تونس، وكما في ليبيا، مارستْ بعض الدول الخليجيَّة، مثل قطر والسعوديَّة والإمارات، تدخّلاً سافراً لصالح الإسلام السياسيّ عن طريق دعمه بالأموال الطائلة والمؤازرة الإعلاميَّة الواضحة، وسوى ذلك من الأعمال الهادفة للتأثير على خيارات الناخبين وترجيح كفَّة ذلك التيّار على حساب القوى والتيّارات السياسيَّة الأخرى.

فأيَّة ديمقراطيَّة هذه التي يتحدَّثون عنها؟!
تعليق واحد
إرسال تعليق

  1. شو شايف مش الديمقراطية الحقيقية بس بتاعت العم لينين وغيرها ماكو

    ردحذف

إعلان أسفل المقال