جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سالم قبيلات ▣

He was a model of steadfastness and principle... then he was marginalized and excluded
خَالِدُ الذِّكْرِ الرَّفِيقُ عَوْنِي فَاخِرْ (أَبُو مُوسَى)، كانَ شُيوعِيّاً ووطنيّاً وأُمَمِيّاً مِنْ طِرَازٍ فَرِيد؛ وكانَ مُنَاضِلاً جَسُوراً، وشُجَاعاً، ونَزِيهاً، ومُهَاباً، ومُحْتَرَماً، وواضِحَ الفِكْرِ، وثابِتَ المَوْقِفِ، وراسِخَ المَبْدَأِ، ومُتَفَانِياً في خِدْمَةِ الطَّبَقَةِ العامِلَةِ والكادِحِينَ وقضيَّةِ التَّحَرُّرِ الوطنِيِّ والاشتِرَاكِيّةِ؛ وظَلَّ يَعْمَلُ بِحَمَاسٍ وتَفَانٍ لِنُصْرَةِ حِزْبِهِ، الحزبِ الشُّيوعيّ الأُرْدُنيِّ، في زَمَنٍ كانَ النِّضالُ الوَطَنِيُّ فيهِ مَحْفُوفاً بِالمَخَاطِرِ والتَّحَدِّيَاتِ.. هكذا عَرَفَهُ الرِّفَاقُ الَّذِينَ كانَ لَهُمْ مَعَهُ تَعَامُلٌ يَوْمِيٌّ وَثِيقٌ.

شَارَكَ أَبُو مُوسَى في قِيَادَةِ الحِزْبِ في زَمَنِ الأَحْكام العُرْفيّة، وتَرَكَ بَصماتٍ لَا تَنْمَحِي في مَسِيرَةِ النِّضالِ الوَطَنِيّ، في بِلَادِنَا؛ مِنْ أَجْلِ الحُريّةِ، والدِّيمُقراطِيّةِ، والتَّحَرُّرِ الوطنِيِّ، والاشْتِرَاكِيّةِ.

وُلِدَ «أَبُو مُوسَى» في مَدينةِ عمَّانَ فِي العَامِ 1930، في كَنَفِ عائلةٍ أُرْدِنِيّةٍ شَرْكَسِيّةٍ وطنِيّةٍ ومُثقَّفَةٍ تَنْتَمِي إلى الطَّبَقَةِ الوُسْطَى وتَتَحَلّى بِقِيَمِ التَّمَاسُكِ الاجتِمَاعِيِّ والِالْتِزَامِ بِالتَّقَالِيدِ والثَّقافَةِ الشَّرْكَسِيَّةِ؛ وأَنْهَى تَحْصِيلَهُ الدِّرَاسِيَّ في الكُلِّيّةِ العِلْمِيّةِ الإِسْلَامِيّةِ في عمّانَ.

عَمُّه، أَيُّوبُ فَاخِر، رئيسُ بلديَةِ عمَّانَ في العَامَيْنِ 1919 و1920، كانَ مِنْ زَعَامَاتِ الحركةِ الوطنيّةِ الأُرْدُنيّةِ البَارِزِينَ، وكانَ مِنْ مُؤَسِّسِي «الحِزْبِ الوَطَنِيّ» في العَامِ 1921، إلى جانِبِ عَرَار، وَعَلِيِّ خُلْقِي الشَّرَايِرِي، وعَوْدَة القْسُوس، وشَمْسِ الدِّينِ سامي، وأَدِيب وَهْبَة، وصَالِحِ النَّجْدَاوِيّ. وقَدْ سُجِنَ وَنُفِيَ بِسببِ مَوَاقِفِهِ الوطنِيّةِ؛ بَلْ وحُكِمَ عليه بِالإِعْدَامِ، بِسببِ مُشَارَكَتِهِ في «ثورةِ البَلْقَاءِ»؛ حيثُ إنَّهُ لَازَمَ الثُّوَّارَ في مُخَيَّمِهِمْ في حِسْبَانَ؛ وعندما هُزِمَتِ الثَّوْرَةُ، أَمامَ الْقُوَّةِ العَسكريَّة الطَّاغِيَةِ لِلْإنْجِلِيزْ، لجأَ إلى سورِيا.

وَيُشَارُ إِلَى أَنَّهُ، في بِدَايَةِ خمسينِيَّاتِ القَرْنِ المَاضِي، اِنْخَرَطَ العَدِيدُ مِنْ أَبْنَاءِ العائِلاتِ الشَّرْكَسِيّةِ في الحَرَكَاتِ السِّيَاسِيّةِ الأُرْدُنيّةِ، وخُصُوصاً اليَسَارِيّةَ مِنْهَا، وكَانُوا الأَقْرَبَ إلى الِانْدِمَاجِ مَعَ الثَّقَافَةِ الشَّعْبِيّةِ الأُرْدُنيّةِ والمصالِحِ الوطنِيّةِ الِاسْترَاتِيجِيّةِ.

اِنْتَسَبَ الرَّفِيقُ عَوْنِي فَاخِرْ لِلحزبِ الشُّيوعِيِّ الأُرْدُنيِّ في العَامِ 1954؛ وحِينَئِذٍ، كانَ مُوَظَّفاً حُكُومِيّاً في وزارةِ الِاقْتِصادِ. وفي العَامِ 1957، فُصِلَ مِنَ الوظيفةِ ومُنِعَ مِنَ العَمَلِ، لأسبابٍ سياسيّةٍ. وكانَ أَوَّلُ اِعْتِقَالٍ لَهُ، في العَامِ 1957 أيضاً، بَعْدَ الاِنْقِلَابِ على حُكُومَةِ سْلَيْمَان النَّابِلْسِيّ الوطنِيّة؛ وظَلَّ مُعْتَقَلاً لِغَايَةِ العَامِ 1965. وما بَيْنَ العَامَيْنِ 1970 و1971، اِضْطُرَّ لِلِاخْتِفَاءِ، لِأنَّهُ كانَ مَطْلُوباً ومُلَاحَقاً مِنَ الأجهزةِ الأَمْنِيّةِ. كما اُعْتُقِلَ، في زَنَازِينِ المُخَابَرَاتِ العَامّةِ، لِمُدَّةِ شَهْرَيْنِ، على إِثْرِ أَحْدَاثِ جامِعَةِ اليَرْمُوكِ في العَامِ 1985.

خِلالَ هذهِ المَسِيرَةِ النِّضالِيّةِ الصَّعْبَةِ، تَمَيَّزَ الرَّفِيقُ أَبُو مُوسَى بِطَاقَتِهِ العَالِيَةِ على التَّحَمُّلِ، والجَلَدِ، والصُّمُودِ؛ وكانَ مُؤْمِناً بِشِدَّة بِقضيّةِ الطَّبَقَةِ العَامِلَةِ، ووَفِيّاً لِمَبَادِئِ حِزْبِهِ. كما كانَ، في الوَقْتِ نَفْسِهِ، يَتَمَتَّعُ بِعَلاقاتٍ وَاسِعَةٍ معَ الشَّخْصِيّاتِ الوطنيّةِ والاجتِماعِيّةِ المُخْتَلِفَةِ، في العَاصِمَةِ وفي مُخْتَلِفِ المُحَافَظَاتِ.

في سَبْعِينِيَّاتِ القَرْنِ المَاضِي، بَرَزَ اِسْمُ الرَّفِيقِ «أَبِي مُوسَى»، كقائِدٍ لَامِعٍ في الحِزْبِ الشُّيُوعِيِّ الأُرْدُنيِّ. ولَعِبَ، آنَذَاكَ، دَوْراً كَبِيراً في نَشْرِ الوَعْيِ الطَّبَقِيّ والوطنِيّ، بَيْنَ الفِئَاتِ الشَّعْبِيّةِ وبَيْنَ أَوْسَاطِ المُثَقَّفِينَ، وعَمِلَ مِنْ أَجْلِ تَكْرِيسِ العَدْلِ والمُسَاوَاةِ بَيْنَ فِئَاتِ المُجْتَمَعِ المُخْتَلِفَةِ، وخُصُوصاً بَيْنَ الجِنْسَيْنِ.

وفي تلكَ الفَتْرَةِ، نفسِها، أَوْلَى قِسْطاً كَبِيراً مِنْ وَقْتِهِ وجُهْدِهِ لِاسْتِقْطَابِ قِطَاعَاتٍ واسِعَةٍ مِنَ الشَّبابِ والطُّلَّابِ، مِنْ مُخْتَلِفِ المَرَافِقِ التَّعْلِيمِيّةِ ومُخْتَلِفِ المُحَافَظَاتِ، لِعُضْوِيّةِ الحِزْبِ؛ وكانَ يُشْرِفُ بِنَفْسِهِ على رِعَايَةِ المُمَيَّزِينَ مِنْهُمْ وَتَطْوِيرِ قُدُرَاتِهِمُ الكِفَاحِيّةِ والقِيَادِيّةِ.

كما رَعَى أَبُو مُوسَى العَدِيدَ مِنَ المُبَادَرَاتِ المُهِمّةِ في مَجَالِ العملِ الجَماهِيرِيِّ؛ ومِنْ أَبْرَزِهَا: تَأْسِيسُ رابِطَةِ الكُتَّابِ الأُرْدُنيِّينَ في العَامِ 1974 الّتِي انْطَلَقَتْ فِكْرَةُ تَأْسِيسِهَا بِمُنَاسَبَةِ الرَّحِيلِ المَأْسَاوِيِّ لِلْأَدِيبِ الأُرْدُنيِّ تَيْسِيرِ السْبُول؛ ومُبَادَرَةُ تَأْسِيسِ اِتِّحادِ الشَّبابِ الدِّيمُقْراطِيِّ الأُرْدُنيِّ، الّتِي كانَ مِنْ أَبْرَزِ رُمُوزِهَا، الرِّفَاقُ: أَحْمَدْ جَرَادَاتْ، وعِصَام التَّلْ، وهَاشِمْ غَرَايِبَةْ، وعْطَيْوِي المَجَالِي، وآخَرُونَ.

ورُبَّما لا يعرف كثِيرونَ أسبابَ الِاحْتِرَامِ الكبِيرِ، وَالمَحَبَّةِ الغَامِرَةِ، اللَّذَيْنِ كانَ يَكُنُّهُمَا، في سَبْعِينِيَّاتِ القَرْنِ المَاضِي، الشَّبابُ والطُّلَّابُ الشُّيُوعِيُّونَ والدِّيمُقراطِيُّونَ والوطنِيُّونَ، لأبي موسى؛ وَلَا دَوْرَهِ اللَّافِتَ، آنَذَاكَ، في مُضَاعَفَةِ عُضْوِيّةِ الحِزْبِ مِنَ الشَّبابِ.

لَقَدْ كانتْ لديهِ ثِقَةٌ عالِيةٌ بِالنَّفْسِ، كما أَنَّهُ كانَ يفهَمُ الشَّعْبَ جَيِّداً، وعَرَفَ كَيْفَ يُقِيمُ عَلَاقَاتِ اِحْتِرَامٍ مُتَبَادَلٍ مَعَ مُخْتَلِفِ أَوْسَاطِ المُجْتَمَعِ. وكَانَ قَلْبُهُ يَفِيضُ مَحَبَّةً صَادِقَةً لِرِفَاقِهِ، ويَسْخُو بِلَا أَيِّ تَحَفُّظٍ في عَطْفِهِ عَلَيْهِمْ وإِبْدَاءِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ؛ ولَمْ تَكُنْ عَلَاقَتُهُ بِهِمْ عَلَاقَةَ عَمَلٍ فَقَطْ؛ بَلْ كانتْ أيْضَاً عَلَاقَةً إِنْسَانِيّةً حقِيقِيّةً زاخِرَةً بِالمَشَاعِرِ؛ فكانَ يَهْتَمُّ بِأدَقِّ تَفَاصِيلِ شُؤُونِ الحياةِ الشَّخصِيّةِ لِلرِّفَاقِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مَعَهُ وَالمُحِيطِينَ بِهِ وأُسَرِهِمْ؛ فيُؤَازِرُهُمْ، وَيُقَوِّي عَزَائِمَهُمْ.. إِذا ما اِعْتَرَاهُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَهْنِ؛ ويَزْرَعُ الثِّقَةَ في قُلُوبِهِمْ، ويُثَبِّتُ يَقِينَهُمْ.. إذَا ما اِعْتَرَاهُمْ شَيْءٌ مِنَ الشَّكِّ؛ ويَدْفَعُهُمْ إلى تَوْطِينِ أَنْفُسِهِمْ على الشُّعُورِ بِالسُّمُوِّ الإِنْسَانِيِّ وَالأَخْلَاقِيِّ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْ فِكْرَةِ الشُّيُوعِيَّةِ.

ويُعْزَى النَّجَاحُ الكبِيرُ، الَّذِي حَقَّقَهُ «أَبُو مُوسى» آنَذَاكَ، إلى طَبِيعَتِهِ الهَادِئَةِ، ورُوحِهِ العَمَلِيَّةِ، ودَمَاثَةِ خُلُقِهِ، وطِيبَةِ قَلْبِهِ، ودِفْءِ مَشَاعِرِهِ، وسُمُوِّ أَخْلَاقِهِ، وتَجْسِيدِهِ المُخْلِصِ والخَلَّاقِ لِمَبَادِئِ الحِزْبِ. كانَ يَتَعَامَلُ بِقَلْبٍ نَظِيفٍ مَعَ الكَثِيرِ مِنَ القَضَايَا وَالأَشْخَاصِ، مُتَعَالِياً على الصَّغَائِرِ والضَّغَائِنِ العَمْيَاءِ، وكَثِيراً ما كانتْ جَلْسَاتُهُ مَعَ رِفَاقِهِ الشَّبابِ تَفِيضُ بِعَبَقِ ذِكْرَيَاتِ نِضَالِ الشُّيُوعِيِّينَ ومَوَاقِفِهِمُ البَاسِلَةِ. وفي مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ، بَعْدَ كُلِّ أَزْمَةٍ مِنَ الأَزْمَاتِ الّتِي تَعَرَّضَ لَهَا الحِزْبُ، كانَ أَبُو مُوسى يُبَادِرُ بِحَمَاسٍ شَدِيدٍ مَعَ بَقِيَّةِ الرِّفَاقِ مِنْ أَجْلِ إِعَادَةِ تَنْشِيطِ الحِزْبِ، واسْتِنْهَاضِ مُنَظَّمَاتِهِ، لِيَتَحَمَّلَ مَسؤولِيَّتَهُ في الدِّفَاعِ عنِ الكَادِحِينَ وعنِ القَضَايَا الوطنيّةِ والقَوْمِيّةِ والإِنْسَانِيّةِ.

كانَ أَبُو مُوسى نَمُوذَجاً لِلتَّجْسِيدِ المُلْهِمِ وَالخَلَّاقِ لِمَبَادِئِ الحِزْبِ، وأَعْطَى العَلَاقَاتِ الحِزْبِيّةِ عُمْقَهَا وقِيمَتَهَا ورُوحَهَا الإِنْسَانِيّةَ. وكانَ مُؤْمِناً، بِعُمْقٍ وحَمَاسٍ، بِالقَضِيّةِ الكِفَاحِيّةِ لِلْحَرَكَةِ الشُّيُوعِيّةِ عَلَى مُسْتَوَى العَالَمِ، ولَمْ يُوجَدْ لديه حُلْمٌ أَهَمُّ مِنْ حُلْمِ التَّحَرُّرِ الوَطَنِيِّ والاشْتِرَاكِيَّةِ؛ حُلْمِ الخَلَاصِ مِنَ اِسْتِغْلَالِ الإِنْسَانِ البَشِعِ لِلْإِنْسَانِ.

في الوَاقِعِ، لَا يُمْكِنُ الحَدِيثُ عنْ دَوْرِ الرَّفِيقِ «أَبِي مُوسى» مِنْ دُونِ الإِشارَةِ إِلَى الدَّوْرِ الوَطَنِيِّ والتَّنْوِيرِيِّ والتَّثْقِيفِيِّ الرَّائِدِ لِلْحِزْبِ الشُّيُوعِيِّ في المُجْتَمَعِ الأُرْدُنيِّ في تِلْكَ الفَتْرَةِ. لَقَدْ أَسْهَمَ الحِزْبُ، آنذاك، بِجُهُودٍ كبيرةٍ في رَفْعِ مُستوى الوَعْيِ الطَّبَقِيِّ والوَطَنِيِّ والمَدَنِيِّ، وتَعْزِيزِ مَكَانَةِ العِلْمِ والتَّحْصِيلِ العِلْمِيِّ، والرُّقِيِّ بِمُسْتوى العَلَاقَاتِ المُجْتَمَعِيَّةِ.

ولَقَدْ حَمَلَ الشُّيُوعِيُّونَ، مُنْذُ بِدَايَاتِ تَأْسِيسِ الحِزْبِ وإلى وَقْتٍ طَوِيلٍ بَعْدَ ذلك، مسؤولِيّةَ الدِّفاعِ عنِ الكادِحِينَ والفِئَاتِ الشَّعْبِيّةِ الفَقِيرَةِ، وبَذَلُوا جُهُوداً عَظِيمَةً لِنَشْرِ قِيَمِ الحَدَاثَةِ والتَّنْوِيرِ والثَّقَافَةِ الوَطَنِيّةِ والإِنْسَانِيّةِ الرَّفِيعَةِ؛ وفِي النِّهَايَةِ، تَرَكُوا أَثَراً عَمِيقاً فِي مُجْتَمَعِهِم.. المُجْتَمَعِ الأُرْدُنيِّ.

كما كانَ لِلمرأَةِ الشُّيُوعِيّةِ، بِمُخْتَلِفِ أَجْيَالِهَا، دَوْرٌ بَارِزٌ فِي كَسْرِ الأَنْمَاطِ التَّقْلِيدِيّةِ، مِنْ خِلَالِ مُشَارَكَتِهَا المُبَكِّرَةِ وَالفَاعِلَةِ في النِّضَالِ الوَطَنِيِّ والمَطْلَبِيِّ في خَمْسِينِيّاتِ القَرْنِ المَاضِي. ونَادَتِ النِّسَاءُ الشُّيُوعِيّاتُ الأُرْدُنيّاتُ، بِاسْتِمْرَار، بِحَقِّ المَرْأَةِ الأُرْدُنيَّةِ فِي التَّعْلِيمِ والمُسَاوَاةِ في العَمَلِ، وأَسْهَمْنَ في تَحْقِيقِ تَقَدُّمٍ كَبِيرٍ في هذا المَجَالِ.

ولَمْ يَكُنْ هذا التَّطَوُّرُ مُمْكِناً، لَوْلَا الجُهُودُ الرَّائِدَةُ، لِلْحِزْبِ الشُّيُوعِيِّ الأُرْدُنيِّ، وَقَادَتِهِ وَمُنَاضِلِيهِ الشُّجْعَانِ، عِنْدَمَا كانَ الحِزْبُ حِزْباً شُيُوعِيّاً حقِيقِيّاً.

ولَقَدْ كانَ الرَّفِيقُ أَبُو مُوسى رَمْزاً لِلصَّلابَةِ في الموقفِ المَبْدَئِيِّ، ومَثَّلَ جِيلَ القِيَمِ والمَبادِئِ بِأَعْمَق وَأَصْفَى المَعَانِي. ولِلْأَسَفِ، اُنتُقِصَ دَوْرُه، بِشِدَّةٍ، وبِلَا أَيِّ مُبَرِّرٍ مَقْبُولٍ، بَعْدَ وَحْدَةِ الشُّيُوعِيِّينَ فِي العَامِ 1985، واُسْتُبْعِدَ، وهُمِّشَ، بدل تَكْرِيْمِهِ وتَقْدِيرِ كِفاحِهِ المَجِيْد.

ورَغْمَ اِبْتِعَادِهِ، أَوْ بِالأَحْرَى إِبْعَادِهِ، عنْ مَوْقِعِ القِيَادَةِ، لَمْ يَنْقَطِعْ عنِ التَّوَاصُلِ مَعَ رِفَاقِهِ، والسُّؤالِ عَنْ أَحوالِهِمْ، والِاهْتِمامِ بِمَشَاكِلِهِمْ، والتَّعْبِيرِ عَنْ تَعَاطُفِهِ الصَّادِقِ مَعَهُمْ. ولَقَدِ اِحْتَفَظَ بِعَلَاقَاتٍ طيِّبَةِ حتَّى مع المُخْتَلِفِينَ مَعَهُ.

في العَامِ 2004، غادرَ الرَّفِيقُ «أَبُو مُوسَى»، الحياةَ؛ لكنّهُ بَقِيَ حَيّاً في وِجْدَانِ وضَمِيرِ الشُّيُوعِيِّينَ والدِّيمُقْرَاطِيِّينَ والوَطَنِيِّينَ، بِفَضْلِ دَوْرِهِ الكِفَاحِيِّ المَجِيْدِ، ووُضُوحِ رُؤْيَتِهِ، وإِخْلَاصِهِ لِقِيَمِهِ وَمَبَادِئِهِ؛ وسَيَظَلُّ ذِكْرُهُ خَالِداً فِي تَارِيخِ النِّضَالِ الوَطَنِيِّ والأُمَمِيِّ؛ وسَتَظَلُّ مَآثِرُهُ قُدْوَةً لِأَجْيَالِ المُنَاضِلِينَ الوَطَنِيِّينَ والشُّيُوعِيِّينَ، ولِكُلِّ مَنْ يُدَافِعُ عَنْ حُقُوقِ المَظْلُومِينَ والمَسْحُوقِينَ والمُسْتَغَلِّينَ ومِنْ خِلَالِ هذِهِ النَّافِذَةِ، نُقَدِّمُ أَطْيَبَ تَحِيَّاتِنَا وتَقْدِيرَنَا لِاسْمِ المُنَاضِلِ الشُّيُوعِيِّ والوَطَنِيِّ الجَسُورِ، عَوْنِي فَاخِرْ «أَبِي مُوسَى»، ولِكُلِّ الأَحْرَارِ الشُّجْعَانِ الَّذِينَ ضَحَّوْا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْظَى شَعْبُهُمْ بِحَيَاةٍ حُرَّةٍ، كَرِيمَةٍ، خَالِيَةٍ مِنَ الفَوَارِقِ الطَّبَقِيّةِ وَالِاسْتِغْلَالِ والمَظَالِمِ الاجْتِمَاعِيّةِ.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال