جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣
قمرُ البلقاءِ يزدادُ إشعاعاً وعتمةُ القَتَلَةِ تدلهمّ

«وُلِدتُ في عائلةٍ عربيّة مسيحيّة، وأنا ماركسيّ في الفكر، وقوميّ وعلمانيّ في السياسة. وبسبب كلّ ذلك لا برغمه تجرحني الإساءة للرسول، وأشعر بالتحدّي إزاء تلك العصابات العنصريّة الإمبرياليّة المعادية للإسلام والعروبة والعالم الثالث وحركات التحرّر الوطنيّ.».

(ناهض حتَّر، مِنْ مقاله الشهير الذي دافع به عن الرسول ضدّ الرسوم المسيئة. وقد نشره في عموده اليوميّ في صحيفة «العرب اليوم» في تاريخ 2012.9.20.).

«أفكّر في الشهداء والجرحى، وأخجل أنّي لست شهيداً».

(مقال ناهض حتّر «عشيّة النصر... اِشهدْ يا قَلَم»، المنشور في زاويته في جريدة «الأخبار» اللبنانيّة في تاريخ 28 آب 2015).

كان ناهض حتَّر، مناضلاً وطنيّاً أردنيّاً ومفكِّراً عروبيّاً أصيلاً، كما كان واحداً مِنْ أبرع الكتّاب والصحفيين العرب وأكثرهم تمكّناً مِنْ أدواته وعمقاً في تناوله لموضوعاته.

وإذ تُصادفُ اليوم ذكرى اغتياله، فإنَّني أُفكِّر في والدته الإنسانة الطيِّبة الثكلى التي كان ابنها بارّاً بها كأفضل ما يكون الأبناء مع أمّهاتهم، كما أُفكِّر بزوجته الدكتورة رندة قاقيش وولديه الموهوبين اللذين تكسَّرتْ مجاديفهما في وطنهما بغتة: المعتزّ والمعتصم.

رندة والمعتزّ والمعتصم يعيشون الآن في مهجرهم البعيد في إيرلندا. الأمر الذي لم يخطر لهم في يومٍ من الأيّام حتَّى في كوابيسهم. وهم لم يغادروا البلاد جبناً وخوفاً على أرواحهم؛ بل هرباً من المشهد الفظيع المؤذي واللاإنسانيّ الذي عايشوه عند اغتيال ناهض.. مشهد الحقد الغريزيّ الجهول والشماتة والخذلان الذي أبداه كثيرون مِنْ أبناء بلدهم مِنْ دون أدنى مراعاة لحرمة الموت أو لمشاعرهم.

قُيِّدت جريمة اغتيال ناهض حتَّر ضدّ مجهول هو منفِّذ الجريمة؛ مع أنَّ المجرم الحقيقيّ، بل المجرمين الحقيقيين، معلومون وما زالوا طلقاء.

لقد تمَّ إلقاء القبض على منفِّذ الجريمة المباشر، بفضل شجاعة ابن الشهيد الذي لاحقه وألقى القبض عليه، ما أدَّى إلى محاكمته وإعدامه بسرعة، مِنْ دون إعلان نتائج التحقيق حتَّى الآن.

ولكنّ هذا الشخص لم يكن أكثر مِنْ مسدّسٍ أُطلِقَت منه النار. وفي موقفٍ مؤثِّرٍ، سمعتُ والدة الشهيد مؤخَّراً تصف منفِّذ الجريمة، ذاك، بأنَّه ضحيَّة.. مثله مثل ابنها الذي تمَّ اغتياله.

لقد تمَّ تمهيد المسرح السياسيّ لجريمة اغتيال ناهض حتَّر منذ وقتٍ طويلٍ قبل ذلك؛ بل إنَّهم قاموا بمحاولةٍ جدّيّةٍ لاغتياله في العام 1998 على خلفيّة إثارته لعددٍ مِنْ ملفَّات الفساد الخطيرة؛ حيث بذل عددٌ من الأطباء الأردنيين البارعين جهوداً كبيرةً إلى أنْ تمكّنوا مِنْ إنقاذ حياته. ولكنّه منذ ذاك وحتَّى تاريخ اغتياله ظلّ يعيش على بعض الأدوية التي كانت تكلِّفه مبالغ باهظة جدّاً كلَّ شهر.

وعلى طريق جريمة اغتياله، تمَّت شيطنته لمدّةٍ طويلة؛ لأنَّه امتلك الشجاعة ليحذِّر في وقتٍ مبكِّر مِنْ مؤامرة تصفية الأردنّ وفلسطين معاً.. بالتجنيس والتوطين والوطن البديل!

ويا للعجب! الآن، ونحن في معمعان تنفيذ مؤامرة صفقة القرن، أصبح الجميع يعلن رفضه للتجنيس والتوطين والوطن البديل.

لقد تمَّ تشويه موقف ناهض حتَّر من القضيّة الفلسطينيّة بلا أدنى قدر من النزاهة والمسؤوليّة؛ مع أنَّ الهاجس الأساسيّ له، طوال حياته، كان العداء الشديد الذي لا هوادة فيه للاحتلال الصهيونيّ لفلسطين. وكان دائماً، يرى أنَّ فلسطين عربيّة شاميّة من البحر إلى النهر، وأنَّه لا يجوز التفريط بشبرٍ مِنْ أرضها السليبة.

وإنَّ تشدّد ناهض في رفض التجنيس والتوطين كان منطلقه أنَّه يرفض تصفية القضيّة الفلسطينيّة عن طريق التعويض.. سواء بالمال أم بالأرض. كما أنَّه كان يرفض إراحة العدوّ الصهيونيّ مِنْ أعباء الاحتلال بإلقائها على كاهل الشعب الأردنيّ أو أيّ شعبٍ آخر.

وانطلاقاً مِنْ موقفه المبدئيّ هذا، رفض ناهض التطبيع مع العدوّ، ورفض اتِّفاقيّات كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو، رفضاً تامّاً لا لبس فيه، ورأى أنَّها جميعاً تمثِّل تفريطاً فادحاً بالحقوق العربيّة وبحقوق الشعب الفلسطينيّ على وجه الخصوص.

كان ناهض، بالمختصر، مع حقوق الشعب الفلسطينيّ كاملةً.. في العودة والتعويض وتقرير مصيره على أرض وطنه. وكان يرى أنَّ الخطوة الأساسيّة لمواجهة العدوّ الصهيونيّ تكون بوحدة البلاد التي فكَّكتها مؤامرة سايكس بيكو.. قبل كلّ شيء. وشعاره في ذلك كان: إمّا سوريا الكبرى أو فإسرائيل الكبرى.

ومع ذلك، اُتُّهِمَ ناهض حتّر، زوراً وبهتاناً، بأنَّه «إقليميّ» (أو «قُطريّ»)! وهو الذي أمضى حياته وهو يدافع عن القضايا العربيّة والبلدان والشعوب العربيّة؛ فوقف مع العِراق في عزّ محنته عندما استهدفته الإمبرياليّة الأميركيّة بعدوانها، ووقف مع لبنان في كلّ مراحل استهدافه من العدوّ الصهيونيّ، ووقف مع غزَّة عندما جرى العدوان الصهيونيّ عليها في العام 2008؛ بل لقد ذهب إلى دمشق والتقى بخالد مشعل هناك ونشر مقالاً مطوّلاً عن لقائه به، وحثّ السلطات في الأردن على فتح صفحة جديدة مع حركة «حماس».

ولقد تفاقمت أعمال شيطنة ناهض حتَّر بسبب موقفه العروبيّ الحازم من الحرب الإمبرياليّة الصهيونيّة الرجعيّة الظالمة على سوريا. حيث تناسى كثيرون أنَّه كان قد اتَّخذ الموقف نفسه من الحرب على العراق ومن الحرب على غزّة ومن الحرب على لبنان، بل ومن الحرب على أفغانستان أيضاً.

وعندما أتمّوا تمهيد الميدان لجريمتهم النكراء، راحوا ينتظرون المناسبة التي يمكن أنْ تسوِّغها؛ فكان تشييره للكاريكاتير المسمَّى «ربّ الدواعش» هو تلك المناسبة التي انتهزها خصومه السياسيّون بكلّ نذالة وخِسَّة كذريعة للانقضاض عليه والخلاص منه بتصفيته!

ودفعةً واحدة، وبلا أدنى قدر مِنْ وخز الضمير، صُوِّرَ ناهض حتّر على أنَّه عدوّ للإسلام والمسلمين؛ بدلاً مِنْ أنْ يكون كما كان فعلاً عدوّاً لتيّار سياسيّ انتهازيّ تجرّأ على الإسلام فراح يوظِّفه لخدمة أغراضه السياسيّة، وزيَّف وعي بسطاء المسلمين ليجيِّشهم لخدمة مشروعه الظلاميّ التدميريّ.

شيَّر ناهض ذلك الكاريكاتير مثل كثيرين غيره؛ لكن المطلوب كان رأسه هو دون سواه. ولذلك، فإنَّ جريدة «الإخوان المسلمين» («السبيل»)، تجاهلت كلّ أولئك وأعادتْ تشيير صفحة ناهض وعليها نسخة مزوَّرة مِنْ ذلك الكاريكاتير.. إذ قام المشرفون على تلك الجريدة بحذف عنوان الكاريكاتير الأصليّ («ربّ الدواعش») للإيحاء بأنَّ المقصود به هو ربّ الخلق جميعاً وليس الربّ كما يصوّره الدواعش.

وبسرعة، وعلى نطاقٍ واسع، شنّ الجيش الإلكترونيّ لـ«الإخوان المسلمين» حملةً شعواء ظالمة على ناهض حتَّر، وكانت تلك هي الضربة القاضية في أعمال شيطنته التي أرادت بها الجماعة تصفية حساباتها السياسيّة نهائيّاً معه.

وبسرعة أيضاً، دخل رئيس الوزراء آنذاك، هاني الملقي، على الخطّ، متجاوزاً حدود صلاحيَّاته ونصوص القانون والدستور، فأعلنت حكومته، بعد ساعاتٍ قليلة، أنَّ ناهض مجرمٌ فارٌّ مِنْ وجه العدالة!

قبل ذلك بأشهر، كان ناهض قد أشبع حكومة الملقي نقداً موجعاً في عددٍ مِنْ مقالاته. وقد وسّط الملقي، حينها، رئيسَ وزراءٍ سابق ذهب إلى بيت ناهض ليقول له بما يملكه مِنْ عشمٍ لديه: «خِفّ عن الزلمة شويّة».

وبينما ناهض مودعٌ في السجن، سألت جريدة الدستور الملك عن ما أسمته «بعض حالات التطاول على القانون وخطاب لا يمثل مبادئنا الأردنية الأصيلة». فقال: «لن نقبل أو نسمح للأفكار الدخيلة المتطرفة التي يحاول البعض ترويجها وتتنافى مع عقيدتنا ومبادئنا أن يكون لها مكاناً في مجتمعنا. ولن نسكت عن أي شخص يحاول أن يزرع الفتنة بيننا أو يسيء إلى عقيدتنا ومختلف الأديان، فهو عدو كل أردني وعدو هذا الوطن ومبادئه التي بني عليه»
.
ثمّ تسابق عددٌ من الهيئات الدينيّة الرسميّة، مسيحيّة وإسلاميّة، لإدانة ناهض حتَّر ووصمه بأوصاف ظالمة تخرجه من الملّة.

وهكذا، جُرِّم الرجل وأُدين، بل وصُنِّف كعدوّ، قبل أنْ يُحاكم!

يقول المهندس ليث شبيلات في مقالٍ له بعنوان «في ذكرى اغتيال ناهض حتر». نُشِرَ في موقع سواليف في تاريخ 2018/09/25:

«لم يكن الكاريكاتير هو الرمانة كما يقول المثل بل كانت القلوب ورمانة والغضب على ناهض إنما سببه الصراع الدائر في سورية، ولكن التجديف إنما استخدم حجة لتبرير الاغتيال.».

ويتابع شبيلات قائلاً، في المقال نفسه، إنَّ ناهض: «اغتيل في أجواء من الكراهية الفوضوية التي سببها الاستقطاب اللامحدود بشأن المصيبة التي حلت بسورية، ذلك الاستقطاب الذي كان هو السبب الحقيقي للاغتيال وليست الإساءة إلى الذات العلية. فالتجديف يحتاج إلى إصرار المجدف لكي يثبت عليه بينما أكد ناهض أنه لم يقصد من الكاريكاتير (والذي هو ليس من رسمه أصلاً) توجيه الإهانة إلى الذات الإلهية».

وفي تلك اللحظة المعتمة، تخلّى كثير من المتعلِّمين عن عقولهم وانجرفوا مع التيّار. والأدهى والأمَرّ، أنَّ الكثيرين ممّن يعلنون انتسابهم للتيّار الديمقراطيّ وللتنوير، التزموا الصمت، وآثروا أنْ يتفرّجوا مِنْ بعيد على «قصَّة موت معلن» جديدة بشعة. وبعضهم تستَّر على جبنه وتخاذله بإشهار خلافاته السياسيّة مع ناهض الذي كان عندها مجرّد فريسة مستباحة لسياسيّين عديمي الضمير أعماهم الحقد! وكأنَّه يجيز قتل الإنسان معنويّاً ثمّ جسديّاً بسبب اختلاف وجهة نظره السياسيّة! وهذا يشطب دفعةً واحدة كلَّ مزاعم الحريّة والديمقراطيّة لدى هذا البعض.

وكانت تلك صفحة عار سترافق كلّ الذين تخاذلوا ولم يرفعوا أصواتهم للحيلولة دون وقوع الجريمة.. ناهيكم عن الذين تواطأوا مع مرتكبيها وسوَّغوا وقوعها.
  
ووقف في الميدان للدفاع عن حُرّيّة ناهض حتَّر وحياته وحقوقه الإنسانيّة مجموعة قليلة من الناس فقط، كان لكاتب هذه السطور شرف أنْ يكون أحدهم. ولذلك، فقد تلقّيتُ وتلقَّى هؤلاء الشرفاء الشجعان (الذين كان بعضهم يختلف جدّاً مع ناهض في وجهات نظره) سيلاً من الشتائم البذيئة والاتّهامات الظالمة.

عندما أُعلِنَ عن إطلاق سراح ناهض بانتظار محاكمته، التقيتُ، بالصدفة، بشقيقه خالد في شارع السلط في البلد. وأثناء وقوفنا معاً، اتِّصل به عدَّة مرَّات مسؤول حكوميّ بارز تربطه بناهض علاقة طيّبة قديمة، ولمَّح له بإلحاح بأنَّه من الأفضل لناهض أنْ يغادر البلاد!

قلت لخالد إنَّ كلام هذا المسؤول ليس جزافيّاً، بل ربّما كان مطلوباً منه أنْ يوصل هذه الرسالة.

لم تسنح الفرصة لي لأتحدَّث مع ناهض في هذا الموضوع في الأيّام القليلة التي تلت خروجه من السجن. زرته مهنِّئاً، وقد بدا لي أنَّه أدرك متأخِّراً مدى صعوبة الوضع الذي يعيشه مجتمعنا، وأنَّ النضال مِنْ أجل الوعي يحتاج إلى جهود إضافيّة جبّارة. وقال لي وهو يودِّعني بأنَّنا يجب أنْ نلتقي قريباً ونتحدَّث، لكنّنا لم نلتقِ مرَّةً أخرى مع الأسف!

وفي ضوء معرفتي الطويلة بصديقي الغالي المغدور، منذ كان فتىً يافعاً، أستطيع أنْ أجزم بأنَّه فكَّر في الأمر على النحو التالي (وربّما كان محقّاً في تفكيره): إنَّهم يريدونني أنْ أُغادر بلادي لأحتمي ببلادٍ أخرى، لكي يغتالوني سياسيّاً، فيقولون إنَّني غادرت كي أتجنَّب الوقوف أمام القضاء لأنَّ التهمة ثابتة عليَّ.

وبالنسبة للمناضل السياسيّ المبدئيّ والجدّيّ، الموت السياسيّ أسوأ بكثير من الموت الجسديّ؛ لذلك اختار ناهض أنْ يواجه مصيره مهما كان ويبقى في البلاد ليقف أمام القضاء ويدافع عن نفسه، ويثبت لأبناء شعبه الذين طالما أحبَّهم ودافع عنهم بأنَّه كان مظلوماً في كلّ ما اُتِّهم به ونُسِبَ إليه. وعندئذٍ، لجأ خصومه الحاقدون إلى شريعة الغاب ليطبِّقوها عليه بدلاً من القانون، فأنهوا حياته غيلةً وغدراً على درج «قصر العدل»؛ لكنَّهم، في تلك اللحظة نفسها، وضعوا اسمه ومبادئه ومواقفه في سِجِلّ الخالدين.. مِنْ دون أنْ يقصدوا.

في عمره الكثيف، الذي اُقتُطِفَ قطفاً، عمل ناهض حتَّر الكثير الكثير مِنْ أجل بلده وشعبه والقضايا العربيّة والإنسانيّة. ألَّف العديد من الكُتُب المهمّة عن الواقع الأردنيّ في مجالاته السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والتراثيّة، ومثلها عن الواقع العربيّ. وكتب الكثير من المقالات في المجالات نفسها في الصحف المحلّيّة والعربيّة، وجمع وحقّق وحرَّر ووثَّق العديد من الكتابات لشخصيّات أردنيّة وكُتّاب أردنيين والعديد من الوثائق التاريخيّة. على سبيل المثال لا الحصر، أعاد نشر «الكتاب الأسود في القضيّة الأردنيّة العربيّة»1 وقدَّم له بقلمه وحلَّل وشرح سياقاته التاريخيّة، وجمع كتابات وصفي التلّ العسكريّة المتعلِّقة بالقضيّة الفلسطينيّة ووضع لها مقدّمةً وأصدرها في كتاب، وجمع كتابات غالب هلسا المنشورة في الصحف والمجلّات العربيّة وصنَّفها وحقّقها وأصدرها في عددٍ من الكتب فشكَّلت إضافةً نوعيّةً إلى كتبه الأدبيّة المهمّة المنشورة، وأنشأ عدداً من المواقع الإلكترونيّة، وصحفاً، ومشاريع سياسيّة، وساعد الكثيرين.. سياسيّاً وثقافيّاً وبكلّ السبل والوسائل الممكنة، وأقام علاقاتٍ وثيقة مع المقاومات العربيّة المختلفة للصهيونيّة والإمبرياليّة.. وهذا موضوع كبير يحتاج إلى حيِّزٍ خاصّ به لإيفائه حقّه.

وقبيل أشهر مِنْ قصّته الفاجعة التي اُفتُعِلَتْ على خلفيّة تشيير الكاريكاتير، هاتفني ناهض وحدَّثني عن مشروعٍ يفكِّر فيه لإحياء ذِكر الشخصيّات الأردنيّة البارزة.. مِنْ مختلف التيّارات وفي مختلف المجالات، واقترح تشكيل لجنة محدودة لهذا الغرض وعرض عليّ أنْ أكون أحد أعضائها إلى جانبه وجانب آخرين.

وهنا، مِنْ حقِّه عليَّ أنْ أقول إنَّ إحدى الشخصيّات، التي تداول معي في أنْ يشملها هذا المشروع، كان محمّد عبد الرحمن خليفة (أحد أبرز مؤسِّسي جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن ومراقبها العامّ لمدّةٍ طويلة) إلى جانب يعقوب زيّادين وفؤاد نصّار ووصفي التلّ وهزّاع المجاليّ وعبد الكريم غرايبة وحسني فريز وتيسير سبول وغالب هلسا وعبد الرحمن شقير وإبراهيم بكر وسليمان النابلسيّ وضافي الجمعانيّ وآخرين.

لم يكن ناهض يهدأ. كان يتحرّك باستمرار في كلّ الاتِّجاهات، وينتج الأفكار المبتكرة والمشاريع والخطط المختلفة، ويواجه ويكافح ضدّ الفساد والاستبداد والقهر والسياسات الاقتصاديّة الاجتماعيّة الجائرة ودفاعاً عن الفقراء والمسحوقين والمقهورين والمضطهدين ومصالح الأمّة وحقوقها ومستقبلها. ولكن، فجأة، انهار كلّ شيء، بسببٍ لا علاقة له بطريقه وخططه ومشاريعه ومسيرته.. سببٍ دخيلٍ أُقحِمَ عليه بخبثٍ وسوء نيّة. وكما في قصَّتي «عارض» المنشورة قبل ذلك بكثير2، «عندئذٍ اِعتذرَ للراحلة وللطريق وللمقصد، واستسلم لتحوّلات جثّته».

 في معرض دفاعه عن نبيّ الإسلام الكريم، كان ناهض حتَّر قد كتب قائلاً: «هكذا، تكتملُ الحلقةُ؛ مشهد شيطانيّ للإسلام والعرب ينتجه العنصريّون في الولايات المتّحدة ويمثّله كومبارس الجهاديين في الشرق العربيّ! وبين المشهد وتحقيقه على الخشبة. يُساء لرمز أمّتنا ويسيل دم الأبرياء وتتحطّم دولة عربيّة أخرى».

فكان دمه مِنْ هذه الدماء البريئة التي سالت على هذا المسرح الشيطانيّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1«الكتاب الأسود في القضيّة الأردنيّة العربيّة» هو رسالة طويلة مدعَّمة بالكثير من الوثائق أرسلتها اللجنة التنفيذيّة للمؤتمر الوطنيّ الأردنيّ الأوّل إلى عصبة الأمم المتّحدة. وقد صدرتْ في كتاب في العام 1929 عن مطبعة الأيّتام الإسلاميّة في القدس. وأعاد ناهض حتَّر نشر هذا الكتاب، في أواسط ثمانينيّات القرن الماضي، تحت عنوان «في القضيّة الأردنيّة العربيّة».

2القصّة منشورة في كتابي «بعد خراب الحافلة»، الصادر في العام 2002.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال