جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

ياسر قبيلات ▣
الاتحاد السوفييتي، يلتسين، الليبراليون الروس، قصف البرلمان الروسي
أتذكر أن الأصدقاء الليبراليين من الأوساط الفنية في روسيا أغمضوا عيونهم عن الحقوق المدنية، وعن السلطة “الديمقراطية” الجديدة حينما أعلنت بلسان رئيسها بوريس يلتسن بأن على الشعب أن يتحلى بسعة الصبر إزاء مجرمي الشوارع، لأن هؤلاء “الشباب الجدعان” سيصنعون بسواعدهم واندفاعهم المستقبل الرأسمالي المشرق.

أتذكر أنهم انشغلوا بتقديم برامج الطبخ في المحطات التي سيطرت عليها المافيا!

وكانت السلطة، في ذلك الوقت، تخرق الحقوق المدنية، وتتجاوز على المكاسب الاجتماعية. وكانت أجهزتها الأمنية تعتدي على الحقوق الإنسانية البديهية لكل من يقع بين يديها. بل وتشمل برعايتها مشاة الشوارع ومستخدمي المواصلات العامة.

ولم يكن ذلك يثيرهم أو يلفت انتباههم، وكانوا راضين تماماً!

وأرى أن الأصدقاء الليبراليين من الأوساط الفنية في روسيا، أنفسهم، ينبرون اليوم لمهاجمة السلطة الجديدة، ومعاداتها جذرياً، رغم أن أقل انجازاتها أنها أعادت الاستقرار، وأوقفت تدهور الأوضاع الاجتماعية، وقننت إلى حد مذهل الاعتداء على الحقوق المدنية، ورغم ما يبدو من ضيقها بالرأي الآخر إلا أنها لم تجعل حق “الرأي الآخر” حصراً على فئة موالية بعينها كما فعلت سلطة الأصدقاء الليبراليين، الذين يذكرونني بـ”إخوان” مصر “المسلمين”!

وأتذكر اليوم أنه لم تعرف عنهم الشجاعة ولا المناقبية الأخلاقية.

في زمن سوفيتي ما زال يعيش في وجداني، كان رجل الأمن حينما يقابلني في الشارع، ويريد أن يتحقق من وثائقي، يبتدرني بأداء التحية العسكرية لي باعتباري مواطناً أو مدنياً أجنبياً، ثم يعرّف بنفسه، ورتبته، والدائرة التي يعمل فيها، ويذكر لي رقم المادة القانونية التي بموجبها سمح لنفسه أن يعترض طريقي وسؤالي أن أبرز وثائقي.

هذا ما كانه الاتحاد السوفيتي الموسوم بالدكتاتورية!

وهذا كان نظام الحكم الذي أنتجه الشيوعيون، الذين لم يعتدوا يوماً بالفساد العظيم الذي رافق الكساد الكبير في أواخر العشرينات، وأنتج أمريكا الحالية ومنظومة الحقوق المزورة والتسويفية. ولكنهم كانوا يبجلون، كل التبجيل، الإنجازات العظيمة التي تخدم القيم الإنسانية السامية، حتى لو جاءت من قرية في أقاصي موزمبيق. وهذا سيقودني لأن أتذكر اليوم أننا، العرب، حاولنا أن نستنسخ ثورة أكتوبر واقتباس الدولة السوفيتية على أسس قومية نحو ثلاث مرات..

وواجهنا الفشل، واجهنا الفشل، واجهنا الفشل!

سأظل أتذكر أن الرابع والعشرين من آذار/مارس هو يوم اعتراف حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بالحكومة المؤقتة في روسيا عام 1917، وهو نفسه )يا لسخرية التاريخ!) يوم العرض الأول لفيلم “العراب” الشهير في العام 1972، الذي يقدم فيه فرانسيس فورد كوبولا قصة مشوقة عن مافيا الثلاثينات في الولايات المتحدة. ويهيئ العالم فيه لاستقبال أميركا التي ستربك العالم بعد السبعينات، بتجرؤها على إعادة إنتاج أبطال عالم المافيا والمخدرات وغسيل الأموال والقتل، بوصفهم سياسيين وليبراليين ودعاة حقوق إنسان!

وهو يوم شن العدوان الغاشم على يوغسلافيا في العام 1999.

وسأتذكر أيضاً أن هذا يوم خاص بالنسبة لي؛ سأجد الوسيلة للحديث بلغة أخرى. وربما أجري اتصالاً، وأسمع عبر الهاتف صوت قرقعة ملعقة الشاي البطيئة بينما تحرك السكر في الفنجان. وربما أقول في نهاية مكالمتي:

أتعرفين؟ أنا سعيد أنَّني سوفييتيّ عتيق!

25/3/2015
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال