جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣

مِنْ مظاهر الانحطاط في زماننا ما أصبحنا نسمعه مِنْ فتاوى باسم الإسلام تحرِّم على المسلم أنْ يهنئ ابن وطنه وأمّته المسيحيّ بالأعياد المسيحيَّة. ومن الواضح أنَّ هذا النمط من التفكير، والسلوك المشبوه المنبثق عنه، ليستْ لهما جذورٌ عميقة في مجتمعنا، ولا يتَّفقان مع قيمه وتقاليده وأخلاقه.

المسلمون أيَّام الرشيد كانوا يحتفلون بالأعياد المسيحيَّة*
هارون الرشيد يستقبل وفد شارلمان؛ بريشة يوليوس كوركت 1846.
وللتأكيد على براءة الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة مِنْ هذه الأفكار التفتيتيَّة المنغلقة، أوردُ هنا بعض الإشارات عن كيفيَّة احتفال المسلمين بالأعياد المسيحيَّة (وسواها) في أوج ازدهار الدولة العباسيَّة، كما جاءت في كتاب المؤرِّخ الفرنسيّ أندريه كلو «هارون الرشيد ولعبة الأمم»، الصادر عن المؤسَّسة العربيَّة للدراسات والنشر، ترجمة صادق عبد المطلب الموسويّ.

في البداية يسرد «كلو» تفاصيل كثيرة، ومهمَّة، عن احتفال الناس في عاصمة الرشيد بعيدي الفطر والأضحى، وعيد النيروز، وعيد «مهراج»، عيد الشتاء، وعيد الصدر، الفارسيّ المنشأ.. الخ. وليس هنا مجال إعادة سرد تلك التفاصيل.

أمَّا ما يتعلَّق بالاحتفال بأعياد المسيحيين، آنذاك، وهو موضوعنا هنا، فيشير «كلو» إلى أنَّ المسلمين في بغداد الرشيد كانوا يحتفلون «بأعياد المسيحيّين بالدرجة والبهجة نفسيهما اللتين يحتفلون بهما بأعيادهم». فقد كانوا يشاركون في أعياد ذكرى القدّيسين التي كانت تقيمها الأديرة النسطوريّة العديدة التي كانت موجودة في بغداد. ويصف أندريه كلو هذه الأديرة بأنَّها كانت «واسعة وكبيرة ومحاطة بحدائق غنّاء وتستوعب أعداداً غفيرة من المحتفلين، حيث الرقص والغناء والشراب».

أمَّا في عيد الفصح، فكان المسلمون والمسيحيّون «يفدون أفواجاً إلى الدير الأرمنيّ سامالو، وهو بناء شامخ يقع شمال شرق المدينة وسط حدائق واسعة، ويروي الشابشتيّ بأنَّ الناس في هذا اليوم يحتفلون ويرقصون حتَّى تتراءى لهم الجدران ترقص والأرض تصغر مِنْ تحت أقدامهم».

وكانت ثمَّة احتفالات مسيحيَّة أخرى عديدة يشارك بها الجميع؛ ففي آخر سبت مِنْ شهر أيلول يذهب الجميع إلى دير الثعالبة المحاط بالرياض والغابات ليحتفلوا هناك. وفي الثالث مِنْ تشرين الأوّل يذهبون إلى أشمانا ليحتفلوا ثلاثة أيَّام متتالية. «وفي أوَّل يوم أحد مِنْ أيّام الصيام لدى المسيحيّين، ينضمّ إليهم المسلمون في دير عقبرا» ليحتفلوا معاً. «وفي الأحد الرابع يحتفلون مِنْ جديد ولمدَّة عدَّة أيَّام عند قرية ديرماليس، وحتَّى بلاط الخليفة يحتفل بهذا العيد حيث الوصيفات يغنّين وهنّ يحملن سعف النخيل وأغصان الزيتون».

«كما يحتفلون أيضاً بعيد القدّيسة بربارة في الرابع مِنْ كانون أوَّل». بعد ذلك يحتفلون بعيد الميلاد، «وفي هذا العيد تُستخدم الألعاب الناريَّة وتُوزّع الحلوى والكرزات وخاصَّة الجوز».


وأختم بتقديم التهنئة لأبناء وطننا، مسلمين ومسيحيين، بعيد الفصح المجيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مقال لي نُشِرَ سابقاً.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال