جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣

طوال نصف قرن تقريباً، كان الكثير من النشطاء السياسيين الأردنيين، يُلاحَقون أمنيّاً، ويتمّ تضييق سبل العيش عليهم، ويُمنعون من السفر، وبعضهم كانوا يُسجنون سنين طويلة. وكلّ ذلك كان يُبرَّر رسميّاً بتهمة الانتماء إلى «جمعيَّة غير مشروعة»!

التهمة.. جمعيَّة غير مشروعة!ومِنْ ضمن هؤلاء الذين طالتهم يد القمع – آنذاك – بهذه الذريعة، محدِّثكم الذي أمضى خمس سنين في سجن «المحطَّة» بتهمة «الانتماء إلى جمعيَّة غير مشروعة (أي غير مرخَّصة رسميّاً) تهدف إلى قلب نظام الحكم وإقامة ديكتاتوريَّة الطبقة» (هذا كان نصّ الاتِّهام الذي تلاه المدَّعي العامّ في المحكمة العسكريَّة التي حوكمتُ أمامها).

ومن المعروف للمتابعين – آنذاك – أنَّ «الجمعيَّة» التي حوكمتُ بتهمة الانتماء إليها (الحزب الشيوعيّ الأردنيّ) لم تكن ترفع شعار «إسقاط نظام الحكم» (أو قلبه)، بل كان شعارها الرئيس هو «أردن وطنيّ متحرِّر». ولقد سُجِنتُ (وحوكمتُ) على إثر المظاهرات الطلابيَّة التي اندلعتْ في الجامعة الأردنيَّة ضدَّ توقيع اتّفاقيّات كامب ديفيد في مدينة الإسماعيليَّة مِنْ قبل السادات وبيغن، إضافة إلى مطالبة تلك المظاهرات بعددٍ من المطالب الطلابيَّة العادلة.

وآنذاك، كالعادة، تصدَّى لنا «الإخوان المسلمون» في الجامعة، بقيادة المرحوم الدكتور عبد الله عزَّام، واشتبكوا معنا، قبل أنْ يتدخّل الأمن ضدّنا. ولكن، لأنَّهم كانوا في ذلك الوقت ضعافاً وقليلي العدد، فقد كنّا، بأعدادنا الغفيرة، نصدّهم بكلّ سهولة ويُسر، ونتابع مسيرتنا.

كان «الإخوان» – آنذاك – يمارسون، عموماً، الدور نفسه الذي يمارسه الآن مَنْ يُسمّون بـ«البلطجيَّة»، وكانوا يدركون أنَّهم يقومون بدور رأس الحربة للأمن، ويقدِّمون له المبرّر الملائم للتدخّل المباشر. بل إنَّهم، فوق ذلك، كانوا يستخدمون سلاح الإعلام ويسخِّرون الدين والمساجد للهجوم على كلّ أطراف المعارضة التي كانت كلّها محظورة (جمعيَّات غير مشروعة).

الآن، نكتشف، مندهشين، أنَّ أعضاء «جمعيَّة الإخوان المسلمين» كانوا، في حينه، بل منذ أربعينيَّات القرن الماضي وإلى ما قبل أيَّام قليلة، «أعضاء في جمعيَّة غير مشروعة»!؛ ومع ذلك، فقد كانت لهم مقرَّاتهم المعروفة، وأموالهم الطائلة، ومصالحهم الاقتصاديَّة المتعدّدة، وأنشطتهم العلنيَّة الكثيرة.. ولم يكن أحدٌ يرميهم، حتَّى لو بوردة، بتهمة «الانتماء إلى جمعيَّة غير مشروعة»!

ونحن، بخلافهم، لا نريد لأحدٍ أنْ يرمي أحداً بهذه التهمة.. لكنَّنا – للتاريخ – لا نملك إلا أنْ نتوقَّف أمام هذه المفارقة السياسيَّة الفاقعة ونذكِّر بها.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال