جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣
خاب ظنّهم!
قصفتْ «إسرائيل»، أكثر مِنْ مرَّة، خلال السنوات الأخيرة، مواقع للجيش السوريّ أو لحزب الله في سوريَّة؛ بالمقابل، لم يحدث، ولا مرَّة واحدة، ولا حتَّى بالخطأ، أنْ قصفتْ موقعاً للمجموعات المسلَّحة التي تقاتل ضدَّ الجيش السوريّ وضدّ حزب الله.

سَبَبُ ذلك، بالطبع، هو أنَّ "الجيش السوريّ لم يطلق طلقة واحدة في الجولان منذ أربعين سنة" (كما تقول الدعاية النمطيَّة الهابطة ضدّ سوريَّة)، في حين أنَّ المجموعات المسلَّحة ما برحتْ منذ حوالي أربع سنوات تطلق نيرانها بلا انقطاع في الجولان.. لكن على الجيش السوريّ وليس على الجيش «الإسرائيليّ». ولم يحدث، أيضاً، ولا مرَّة واحدة، أنْ طاشتْ إحدى قذائفها فأصابت هدفاً «إسرائيليّاً».

وأمس، تجاوزت طائرات الهليكوبتر «الإسرائيليَّة» مواقع المجموعات المسلَّحة، ولم ترمها حتَّى بوردة، ثمَّ صوَّبتْ نيرانها إلى مجموعة تابعة لحزب الله، فقتلت أفرادها، في المنطقة المحرَّرة من الجولان.

وعلى إثر ذلك، تساءل وزير الحرب «الإسرائيليّ» موشيه بوغي يعالون، قائلاً بوقاحة: «إنْ كان حزب الله أعلن عن مقتل عناصره فليشرح ماذا كانوا يفعلون في سوريا؟».

في الجهة المحاذية لجيش الاحتلال «الإسرائيليّ» الموجود في الجولان المحتلّ توجد أعداد كبيرة من المجموعات المسلَّحة المحسوبة على «جبهة النصرة» و«جبهة ثوّار سوريَّة» و«حركة أحرار الشام الإسلاميَّة» (وما شابه) كانت قد «حرَّرتْ» (هكذا بتعبيرها هي) الشريط الذي ترابط فيه من الجولان في عمليَّة عسكريَّة أسمتها «الوعد الحقّ» (نرجو أنْ لا يتوهَّمنَّ أحد أنَّها «حرَّرتْ» تلك الأرض مِنْ «إسرائيل»؛ كلّا؛ لقد «حرَّرتها» من الجيش العربيّ السوريّ).

ومع ذلك، لم يتساءل يعالون (أو سواه من المسؤولين «الإسرائيليين») عمَّا تفعله تلك المجموعات في سوريَّة؛ في حين أنَّه لم يطق صبراً على وجود مجموعة صغيرة مِنْ حزب الله في منطقة تلي المنطقة التي توجد فيها المجموعات المسلَّحة. ذلك لأنَّه، بخلاف بعض أبناء جلدتنا، يعرف جيّداً مَنْ هو صديقه ومَنْ هو عدوّه.

ولذلك، لا تخفي «إسرائيل» رهانها على إمكانيَّة أنْ تشكِّل تلك المجموعات منطقةً عازلة بين الجولان المحتلّ وبين سوريَّة، على غرار تجربتها المعروفة في جنوب لبنان مع ما كان يُسمَّى «جيش لبنان الحرّ»، بقيادة العميل انطوان لحد.

وأصبح معروفاً الآن أنَّ «الإسرائيليين» يقدِّمون لتلك المجموعات كلّ التسهيلات اللوجستيَّة الممكنة لتنجح في مهمَّاتها القتاليَّة ضدَّ الجيش السوريّ؛ بل إنَّهم يُعالجون جرحاها – كما هو معروف – في مستشفياتهم. وهذا معلن، وقد قام نتنياهو، نفسه، بزيارة تفقديَّة لبعض أولئك الجرحى غُطِّيتْ تلفزيونيّاً. وأكثر مِنْ مرَّة، قامتْ القوَّات «الإسرائيليَّة» بقصف مواقع الجيش السوريّ أثناء اشتباكه مع المجموعات المسلَّحة.

والحجّة المتهافتة نفسها التي استخدمها يعالون، أمس، بصيغة سؤالٍ سمج ليبرِّر بها استهداف المجموعة التابعة لحزب الله في سوريَّة، لطالما استخدمتها المجموعات المسلَّحة لتبرير عدائها للحزب واستهداف عناصره وجمهوره في لبنان. أعني بذلك حجّة تدخّل الحزب في القتال الدائر في سوريَّة.

حزب الله، على أيَّة حال، لم يأتِ إلى سوريَّة مِنْ أقصى أطرف الأرض ليقتل أبناءها، ويدمِّر عمرانها، وينشر الفتنة المذهبيَّة والطائفيَّة بين أهلها، ويعطِّل دوران عجلتها الاقتصاديَّة والتنمويَّة، ويضعف قوَّتها العسكريَّة، ويزعزع مكانتها السياسيَّة، ويفرض مفاهيمه المتخلِّفة على شعبها.. ليقيم له دولة قروسطيَّة جائرة؛ بل جاء مِنْ مسافة بضع كيلومترات ومِنْ بلدٍ كان حتَّى النصف الأوَّل مِنْ خمسينيَّات القرن الماضي جزءاً مِنْ سوريَّة؛ بلدٍ لم يتبادل السفراء مع سوريَّة إلا منذ بضع سنين خلتْ. ثمَّ إنَّه جاء بموافقة الحكومة السوريَّة وقرارها، وليس بالتنسيق مع الدوائر الأطلسيَّة وتوابعها في المنطقة وفي العالم.

ويجدر التذكير، هنا، بأنَّ حزب الله لم يتدخَّل في القتال في سوريَّة إلا بعد مرور سنتين عليه، ومشاركة عشرات ألوف المسلَّحين الأجانب فيه. وقد جاء هؤلاء – كما هو معروف – مِنْ شتَّى بقاع الأرض، وبعضهم جاء مِنْ مسافة ألوف الكيلومترات، ليقاتلوا، بالوكالة عن أميركا و«إسرائيل» ضدّ البلد الوحيد في المنطقة الذي كان ولا يزال يدعم حركات المقاومة ضدّ «إسرائيل»، البلد الوحيد الذي دعم المقاومة العراقيَّة أيضاً بالأمس القريب ضدّ الاحتلال الأميركيّ للعراق، وتركوا، بالمقابل، الأنظمة التابعة لأميركا والغرب (التابعة، بالنتيجة، لـ«إسرائيل»)، وها هم يتحالفون، الآن، موضوعيّاً على الأقلّ، مع «إسرائيل» ضدّ سوريَّة وضدّ المقاومة اللبنانيَّة.

ونذكِّر، أيضاً، بأنَّ حزب الله لم يشترك في القتال في سوريَّة إلا بعدما قام المسلَّحون بقطع شريان إمداده الحيويّ في القصير. بل إنَّ قادة وممثِّلي المجموعات المسلَّحة كانوا – كما هو معروف – قد استهدفوا حزب الله (وتوعَّدوه)، علناً وبوضوح، في وسائل إعلامهم ووسائل الإعلام الداعمة لهم.. منذ اليوم الأوَّل لحربهم على سوريَّة. ويمكن لأيّ منصف أنْ يتوثَّق مِنْ ذلك بالعودة إلى تصريحاتهم المنشورة في الأيَّام الأولى للحرب.

لا جديد في الأمر؛ فقد وقف أسلاف هؤلاء الذين «يجاهدون» الآن في سوريَّة ولبنان في خندقٍ واحد مع الغرب الإمبرياليّ ضدّ فيتنام وضدّ شعوب أميركا اللاتينيّة وضدّ مصر الناصريَّة وضدّ أفغانستان والاتّحاد السوفييتيّ وحركات التحرّر الوطنيّ في آسيا وإفريقيا. وكلّ ما في الأمر أنَّ الأعقاب يواصلون السير الآن على طريق الأسلاف؛ حيث ما زالت هبَّاتهم «الجهاديَّة» تتَّجه دائماً (بالصدفة طبعاً!) ضدَّ أعداء الغرب وخصومه، وخصوصاً ضدّ أعداء الولايات المتَّحدة ومَنْ لهم مشاكل سياسيَّة معها.

على أيَّة حال، لقد دكَّت «إسرائيل»، في تمّوز 2006، الضاحية الجنوبيَّة 34 يوماً بصورةٍ متواصلة ووحشيَّة، وسوَّتْ أجزاء كبيرة منها بالأرض؛ ورغم ذلك، لم تفتر عزيمة المقاومة اللبنانيَّة ولم تضعف ولم تهن؛ بل كبَّدت المعتدين خسائر فادحة غير مسبوقة، وحوَّلتْ أرض الجنوب إلى مقبرة لدبَّاباتهم وآليَّاتهم وجنودهم، ولم يتمكَّنوا، في النهاية، من اجتياز الحدود والسيطرة على أيّ شبر مِنْ أرض لبنان.

وقد ازدادت المقاومة، بعد تلك الحرب، قوَّةً على قوَّتها، وأصبحتْ أكثر ثقة بقدرتها وبصحَّة خياراتها؛ وهذا في حين أنَّ العدوّ الصهيونيّ المتغطرس دخل، منذ ذاك، أزمةً وجوديَّة خطيرة لا فكاك له منها؛ إذ انكشفتْ حدود قوَّته الحقيقيَّة، ولم يعد قادراً على ممارسة وظيفته الأساسيَّة كشرطيّ متقدِّم للإمبرياليَّة في المنطقة، وهي الوظيفة التي تمَّ اصطناعه أصلاً مِنْ أجلها.

وكلّ ما يدور في سوريَّة ولبنان الآن، إنْ كان على يد «إسرائيل» أم على يد حلفائها الموضوعيين والمباشرين، ما هو إلا محاولة لئيمة للالتفاف من الخلف لإخراج «إسرائيل» مِنْ أزمتها تلك وتخليصها مِنْ مأزقها المتفاقم. إنَّه امتداد لحرب تمّوز 2006، وأكبر دليل على ذلك هو أنَّ الذين وقفوا، آنذاك، في الجبهة الأخرى، يقفون الآن في الجبهة نفسها (بمَنْ في ذلك «أشباه الرجال»! إنْ كنتم ما زلتم تذكرون)؛ فهل يظنّ «الإسرائيليون» ووكلاؤهم ووكلاء الإمبرياليَّة المجرَّبون، الجاهزون دائماً غبّ الطلب لخوض حروب عواصم المتروبول ومعاركها، أنَّهم سينجحون في تحقيق ما فشل الجيش «الإسرائيليّ»، نفسه، في تحقيقه عام 2006؟!

إذاً، خاب ظنّهم!
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال