جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

شبكة الانترنت في حد ذاتها عبارة عن معمل ضخم لإجراء التجارب، وأنت جزء منها دون أن تدري. ملايين التجارب تجرى كل يوم بهدف شد انتباهك ودفعك لتصفح المزيد من الروابط، وبالتالي صرف مزيد من المال.
 
وغالباً ما تكون هذه التجارب سرية، دون أن تدري بأنك جزء منها. ويعود الفضل في هذا الكشف إلى ما يعرف في عالم التكنولوجيا باختبار أي/بي ''A/B''.
هذا الاختبار تم تطويره في البداية لفحص جودة تصميم الموقع الإلكتروني، وبالتالي تحسينه وتعديله، وبالأخص تقييم قدرة الموقع على جلب تفاعل المستخدمين.
ويعني هذا الاختبار أن الصفحات التي تقدم لك أنت ليس بالضرورة أن تكون هي الصفحات التي تقدم لغيرك على الإنترنت. فربما تختلف فيها بعض الألوان، أو العناوين، كما يمكن أن تعرض أمامك معلومات شخصية مختلفة تخص أصدقاءك وعائلتك على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف خداعك.
هذا الاختبار طُوّر في البداية للمساعدة في تعديل تصميم المواقع لتناسب الجمهور، لكنه يمكن الآن- وفي أكثر الحالات إثارة للجدل- أن يساعد الشركات في تغيير الحالة المزاجية للمستخدمين.
وقد ثبت مؤخراً أن موقع فيسبوك استخدم هذه التقنية لإجراء تجربة على مستخدميه دون علمهم، وذلك في محاولة للتأثير على عواطفهم.
وفي الآونة الأخيرة أيضا تبين أن موقع «أوكي كيوبد» OkCupid للتعارف كذب على بعض مستخدميه بخصوص ملاءمتهم للتوافق عاطفياً مع أشخاص آخرين من مشتركي الموقع. وكانت الشركة أيضاً تصل بعض الأشخاص على موقعها بآخرين لا يتوافقون معهم، ثم تستمر في تتبع التواصل بينهم.

فمتى يمكن اعتبار هذه التجارب تلاعباً وخداعاً لا لبس فيه؟
كانت بداية اختبار «أي/بي» تمثل ظاهرة حميدة نسبياً، ولم يكن يحظى بذلك الاهتمام، إذ كان يقدم طريقة مختلفة لتطوير المواقع، ومعرفة مدى قدرتها على جذب المستخدمين للتفاعل عليها.
لكن ما جعله قوياً في هذه الفترة هو أنه أحياناً يتوصل لبعض النتائج التي لم يكن أحد يتوقعها من قبل.

اختلاف الألوان
ففي وقت سابق من السنة الحالية، كشف مدير تنفيذي في شركة غوغل النقاب عن أن استخدام طيف مختلف من اللون الأزرق مع روابط مواقع الدعاية في صفحة نتائج البحث جعل عددا أكبر من الناس يضغطون على تلك الروابط، مما أدى إلى ارتفاع عوائد الشركة بنحو 200 مليون دولار.
كما أن استخدام ذلك الاختبار من قبل موقع «تريب أدفايزر» للسياحة والسفر، أدى إلى الكشف عن أن بعض الألوان تمثل عنصر جذب لعدد أكبر من المستخدمين، مقارنة بغيرها من الألوان.
فقد وجدت الشركة أن من يصلون إلى موقعها من خلال أحد إعلانات غوغل، على سبيل المثال، هم أكثر ميلاً للضغط على زر باللون الأزرق على الموقع. كما أن المستخدمين الآخرين الذين يريدون الخروج من داخل موقع الشركة يفضلون الضغط على زر باللون الأصفر.
معظم تجارب اختبار «أي/ بي» لا ضرر من ورائها، لكن في الأشهر الأخيرة، أدى استخدام ذلك الاختبار إلى ردود فعل سلبية من قبل المستخدمين. فقد أصبح بإمكان تلك التقنية أن تؤثر على الأخبار التي تقرأها، وربما يكون ذلك بطريقة لا تفضلها.
فأحد المواقع الأمريكية الشهيرة مثل موقع «سليت»، يجري اختبارات لنحو 25 عنوانا رئيسياً، باستخدام أحد البرامج التي صممت خصيصا لذلك الغرض، لمعرفة أي منها سيحقق الأداء الأفضل.
لكن رغم أن استخدام بعض العناوين يمكن أن يؤدي إلى جذب عدد ضخم من المستخدمين، إلا أنها يمكن أن تصنف على أنها «طعم» مضلل، إذا كان المحتوى الذي تقودنا إليه مخيباً للآمال لعدم ارتباطه بشكل أو بآخر بتلك العناوين.

 
معايير أخلاقية

ويشعر كثيرون حالياً أن ذلك الاختبار قد دخل مساحة جديدة مثيرة للقلق، وذلك بعد أن استخدمته شركات مثل فيسبوك لإجراء تجارب تتلاعب بمشاعر المستخدمين، وتستخدم الحيل لتشجيعهم على التفاعل على موقعها.
كما كشفت تجربة موقع «اوكي كيوبد» كيف أن اختباراً بسيطا مثل ذلك يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على حياتنا.
وفي الوقت الذي تزداد فيه دقة هذه الاختبارات، هناك مخاوف بشأن عدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية خلال سعي مواقع الإنترنت لجذب المستخدمين وتحقيق الأرباح.
ويقول هاري بريغنل، وهو مستشار في مجال تصميم المواقع على الإنترنت، إنه يحتفظ بقائمة سوداء لتصميمات المواقع التي تحتال على المستخدمين، والتي يقول إنها تتلاعب بهم بشكل غير أخلاقي.
ويضيف أن مثل هذه المواقع تدفع المستخدمين لفعل أشياء لم يكونوا يرغبون فيها، مثل تسجيل بياناتهم للاشتراك في خدمات محددة، والموافقة على مشاركة تلك البيانات مع أطراف أخرى.
وكثير من هذه الحيل يشمل تعبئة نموذج لتسجيل البيانات يحتوي على تعبيرات صيغت بطريقة محيرة وغامضة، أو وضع علامة أمام اختيارات تبدو عادية، لكنها تستدرج المستخدم للموافقة على مشاركة بياناته مع أطراف أخرى بضغطة زر واحدة.
ويقول بريغنل: «إذا قال مصمم ما إن تصميماً معينا يحقق قدراً كبيراً من المال، لكن تصميماً آخر يحقق مالاً أكثر منه، فإنه ربما يكون من الصعب، عند النظر إلى الأمر من الناحية المالية، أن ترفض استخدام مثل هذه الحيل الصغيرة ذات الربح الأعلى، خاصة وأن كل المنافسين لك يستخدمونها.»
ويضيف بريغنل أن أساليب خداع الناس التي تدفعهم لشراء البضائع والخدمات قديمة، وتستخدم منذ آلاف السنين، وقد حقق كثير من الناس ثرواتهم عبر العصور باستخدام تلك الأساليب.
في القرن العشرين، زادت المخاوف من آثار التلاعب في الإعلانات التجارية، مما أدى إلى وضع ضوابط لذلك السوق. وربما يمكن في المستقبل أن يخضع مستخدمي اختبار «أي/بي» لمثل تلك الضوابط أيضاً.
وللأسف، ربما يكون من الصعب أن نضع حداً فاصلاً بين أشكال التصميم التي تجعل المواقع تحقق فائدة لها وللمستخدم، وبين تلك التي تخدع الناس.
وقد أصبحنا الآن أكثر وعياً بأسرار تجارب الإنترنت التي تجعلنا نضغط على بعض الروابط لزيارة مواقع معينة، وسوف تستمر تلك التجارب سواء أحببنا ذلك أم لا.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال