جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣

"المعارضة السوريَّة" المسلَّحة، تقول، بلا أدنى قدر من الحياء، إنَّها "ناقشتْ مع الدول الحليفة لائحةً بأهداف محتملة". المقصود - كما هو واضح - أهداف على الأرض السوريَّة تقترح هذه "المعارضة" ضربها مِنْ قوّات "الدول الحليفة"! أمَّا الدول الحليفة، فالمقصود بها - بأكثر الكلمات تهذيباً - الدول الإمبرياليَّة الراعية لهذه "المعارضة" والمشغِّلة لها.

يا لها مِنْ معارضة! يستطيع مناصروها الأردنيّون (والعرب) أنْ يرفعوا رؤوسهم عالياً بها!

على أيَّة حال، لدى الأمم المتحضِّرة والتي تحترم نفسها، ما مِنْ جريمة تفوق جريمة الخيانة الوطنيَّة. بيد أنَّ خيانة هؤلاء "المعارضين" النجباء مغلَّفة - كما هو معروف - بسلوفان البكائيَّات الكاذبة على الدم السوريّ! وبينما هم لا يتوقَّفون عن ذرف دموع التماسيح، فإنَّهم لا يتوقَّفون، أيضاً، عن سفك دماء الناس على الهويَّة، وبصورة عشوائيَّة، ويكفِّر بعضهم الأطفال ويحاكمونهم ميدانيّاً ويعدمونهم ذبحاً أو رمياً بالرصاص، ويشقّ بعضهم صدور ضحاياه من الجنود السوريين ويتفاخر بأكل قلوبهم أمام الكاميرا، كما يصفّ بعضهم الآخر ضحاياه بالعشرات على الجدران ويرديهم بالرصاص.. والأمثلة على هذه الفظائع أكثر مِنْ أنْ تُعدّ أو تُحصى؛ لكنَّها، بالتأكيد، لا تظهر على شاشات فضائيَّات النفط التابع. 

ومفهوم، الآن، أنَّ صواريخ كروز، التي يتلهَّفون لهطولها على أرض الشام ويتطوَّعون لتقديم لائحة إضافيَّة بالأهداف التي يجب أنْ تصيبها، ستنطلق مِنْ على ظهور السفن الحربيَّة الإمبرياليَّة السابحة في عرض البحر الأبيض المتوسِّط على بعد ثلاثة آلاف كيلومتر من الشواطئ السوريَّة، لتضرب الأهداف العسكريَّة وحدها، ولتكون، في الوقت نفسه، برداً وسلاماً على المدنيين السوريين، بمَنْ فيهم مناصرو "المعارضة العظيمة" (رغم قلّتهم هذه الأيَّام)!

من المؤسف، حقّاً، أنْ تجرّنا مجاراةً منطقهم الخيانيّ ذاك، للحديث عن الأهداف العسكريَّة السوريَّة كما لو كانت مواقع لـ"جيش الدفاع الإسرائيليّ" وليستْ مواقع للجيش العربيّ السوريّ! لكن، في كلّ الأحوال، هل يعرف هؤلاء كم مِنْ أرواح السوريين ستحصد هدايا بابا نويل الأطلسيّ هذه؟ من المؤكَّد أنَّهم يعرفون؛ لكنَّهم لا يبالون. ومع هذا كلّه، يصرّ البعض على وصف ماكينة القتل والجريمة المنظَّمة، هذه، بأنَّها "ثورة شعبيَّة"! إنَّها، بالأحرى، "فِرَق موت"، كتلك التي أنشأها نيغروبونتي في أميركا اللاتينيَّة. ويجدر بنا أنْ نتذكَّر، هنا، أنَّ روبرت ستيفن فورد، تلميذ نيغروبونتي "النجيب" في مدرسة القتل المنهجيّ الشامل تلك، عُيِّن سفيراً للولايات المتَّحدة في دمشق، قبل شهرين مِنْ دوران هذه الماكينة الجهنَّميَّة.

ويا لها مِنْ ثورة هذه التي لا تنتصر إلا إذا استعانت، على بلدها وشعبها، باليد الطولى المجرمة واللصوصيَّة للبوارج الحربيَّة الإمبرياليَّة؟! لقد طلبتْ ذلك منذ أيَّامها الأولى وها هو طلبها يوشك أنْ "يُستجاب". إنَّهم، ببساطة، يريدون مِنْ ناهبي ثروات الشعوب، ومفقريها، ومجوِّعيها، ومستعمريها، ومصادري قرارها الوطنيّ وحريَّتها وسيادتها في كلِّ مكان، أنْ يدمِّروا لهم بلدهم – فوق ما دمَّروه هم – وأنْ يقضوا على جيشه، ويخرِّبوا بنيته التحتيَّة ووسائله الإنتاجيَّة، ويصادروا استقلاله، ويقتلوا شعبه، كي يسلّموهم السلطة فيه، في النهاية، "باردة مبرَّدة"! لذلك، من المغثي، حقّاً، أنْ يتحدَّث هؤلاء وأنصارهم عن الحريَّة والديمقراطيَّة وحقوق الإنسان وما شابه. ومغثي أكثر أنْ يجدوا مَنْ يستمع إليهم ويصدِّقهم أو يتصنَّع تصديقهم.

على أيَّة حال، كاتب هذه السطور ينتمي إلى مدرسة سياسيَّة وفكريَّة عُرِفَتْ دائماً برفضها التدخّل الخارجيّ.. حتَّى لو كان مِنْ أجل نُصرَة حركة ثوريَّة حقيقيَّة.. وحتَّى لو كان مِنْ قوَّة دوليَّة ثوريَّة؛ وذلك لأنَّ الحاجة إلى التدخّل الخارجيّ معناها أنَّ شروط الثورة، الذاتيَّة والموضوعيَّة في البلد المعنيّ، لم تنضج بعد؛ وبالتالي، فالتدخّل الخارجيّ لن ينضجها؛ بل سيؤدِّي إلى إجهاض احتمالات نضوجها ليُنتج بدلاً منها ثورةً مفتعلة، معزولة عن سياقها الوطنيّ، ولا مستقبل لها.

وهنا نسأل: هل أرسل الاتّحاد السوفييتيّ قوَّاته لتقاتل الأميركيين وعملاءهم، في فيتنام، إلى جانب ثوّار الفيتكونغ أو بالنيابة عنهم؟ وهل انتصرت الثورة الكوبيَّة، في تلك الجزيرة اللاتينيَّة الشجاعة التي لا تبعد عن الشواطئ الأميركيَّة سوى تسعين كيلومتراً، بقوَّات سوفييتيَّة أو صينيَّة؟ ومثل هذا يُقال، أيضاً، عن الثورات الشعبيَّة في لاوس ونيكاراغوا والسلفادور وجنوب إفريقيا وسواها.

نعم، الاتّحاد السوفييتيّ وكلّ القوى الثوريَّة العالميَّة لم يكونوا يقصِّرون، في دعم تلك الثورات وحركات التحرّر، بالسلاح والمعدَّات والتدريب والتعليم والتثقيف والمساندة السياسيَّة والإعلاميَّة.. لكنَّ انتصارها كان يعتمد، بالأساس، على صلابة مناضليها، وصحَّة برامجها السياسيَّة، وأصالة هويَّتها الثوريَّة، وتحديدها الدقيق لأهدافها الكفاحيَّة، والتحامها الوثيق بقواعدها الشعبيَّة، وتصنيفها العلميّ الصارم والمبدئيّ لقائمتي أعدائها وأصدقائها.. الخ. حيث كان الإمبرياليون دائماً هم الأعداء الألدَّاء لهذه الثورات ولم يكونوا يوماً مِنْ أصدقائها؛ فكيف يكونوا كذلك إذا ما كانت الثورة ثورة حقيقيَّة ترمي إلى التحرّر الوطنيّ والتنمية المستقلَّة والعدالة الاجتماعيَّة؟ إنَّ هذا معناه أنْ يقفوا ضدّ أنفسهم ويعملوا ضدَّ مصالحهم!

الإمبرياليّون وأعوانهم لا يكونون أصدقاء إلا للثورات المضادَّة وعصابات الإجرام وأشباهها.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال