جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات ▣

صدر أمر العمليَّات في واشنطن وباريس، وسواهما من العواصم الإمبرياليَّة؛ وصدعت له، كالعادة، الأنظمة العربيَّة التابعة، وتداعت على وجه السرعة، وبشكلٍ مرتبك ومخزٍ، للاجتماع في الجامعة العربيَّة على مستوى وزراء الخارجيّة، لتمهيد السبل أمام حلف الأطلسيّ للعدوان على سوريا.

وليس هذا بجديد على الجامعة العربيَّة، فسبق لها في الماضي القريب أنْ مهَّدت للعدوان على العراق، ولإنعاش ذاكرة البعض، نذكِّر بما تكشَّف حينه مِنْ أنَّ البيان الختاميّ لذلك الاجتماع (كما هو لهذا الاجتماع، فيما يبدو) كان نصّه الأصليّ معدّاً سلفاً في واشنطن، الأمر الذي أوقع الحكّام العرب المجتمعين حينها في مواقف كاريكاتيريَّة مخجلة.

وكلّ ما تبقَّ الآن مِنْ دور للأنظمة العربيَّة في هذه القضيَّة إنَّما هو مجرَّد رتوش، وسيكون عليها بعد ذلك أنْ تتنحَّى جانباً، وتترك العمل الحقيقيّ لحلف الأطلسي، ليحقّق أهدافه القديمة الجديدة في تدمير الجيش السوريّ، وتدمير البنية التحتيَّة لهذا البلد العربيّ المهمّ، بغرض تحقيق الهيمنة المطلقة للعدوّ الإسرائيليّ على المنطقة، واستكمال مسيرة الاستسلام التي بدأتْ عام 1991 وتعثَّرتْ منذ ذاك على أبواب دمشق، وإلغاء مقوِّمات استقلال سوريا وتأهيلها للالتحاق بحظيرة الدول التابعة.

وطبعاً، سيتمّ تمويل عمليَّة تدمير سوريا بعد ذلك مِنْ أموال الشعب السوريّ نفسه، مثلما حدث مع جميع البلدان الأخرى التي هاجمتها الدول الإمبرياليَة. أمَّا حريَّة الشعب السوريّ (وحمايته)، فهي آخر شيءٍ يفكِّر فيه القتلة واللصوص الأطلسيّون.

وبقيَّة السيناريو الذي يجري تنفيذه معروفة تماماً الآن: قرار من الأطلسيّ بفرض حظرٍ للطيران في أجواء سوريا، يتبعه قصف متواصل ومكثَّف للجيش السوريّ ومواقع القوَّة في سوريا ومرافقها الاقتصاديَّة ومعالمها الحضاريَّة. ودول الأطلسيّ تتحدَّث الآن عن عدم ضرورة الحصول على تفويض من الأمم المتَّحدة، كغطاء لهذه الجريمة البشعة، بعدما ووجهت خططها وترتيباتها في هذا المجال بالفيتو الروسيّ الصينيّ المشترك.

وأريد أنْ أسأل: متى كانت "الثورات" تقوم وتنتصر وتحقّق أهدافها بحماية أعداء الأوطان ومساندتهم. الثورات الحقيقيَّة جميعها اعتمدت على طاقات الشعب الثائر الخاصَّة، ونزوله إلى الشوارع بجموع حاشدة، وثباته وتصميمه على تحقيق أهدافه. وحينذاك، كما أثبت التاريخ دائماً، لا يستطيع أعتى الأنظمة، وأشدّها بطشاً، الوقوف بوجه إرادة الشعب. بل إنَّ جميع الثورات الحقيقيَّة وجدتْ نفسها في مواجهة ليس مع الأنظمة الحاكمة في بلدانها، فقط، وإنَّما، أيضاً، وبنفس القوَّة، مع مؤامرات القوى الإمبرياليَّة الخارجيَّة وتدخّلاتها العدوانيَّة (وليس مساندتها). ودروس التاريخ تؤكِّد ذلك باستمرار. وأشير، هنا، باعتزاز، إلى الحراك الشعبيّ الأردنيّ في المحافظات الذي عبَّر مراراً عن مواقف معادية بوضوح للإمبرياليَّة الأميركيَّة والعدوّ الإسرائيليّ والناتو وكلّ التدخّلات الأجنبيَّة في الشؤون الأردنيَّة والعربيَّة. أمَّا عندما يجري الحديث عن ضرورة توفير حماية دوليَّة لـ"الثورة" وتدخّل خارجيّ لانجاحها، فترجمة ذلك ببساطة هي أنَّ هذه "الثورة" المزعومة ليس لها قاعدة شعبيَّة محليَّة حقيقيَّة، وأنَّها مفتعلة بأيدي خارجيَّة، ومِنْ أجل أهداف خارجيَّة، وليست نابعة بالكامل مِنْ ظروف البلد الذي يُفترض أنَّها وقعت فيه.

على أيَّة حال، ما يجري الآن إنَّما هو لعب أخرق بالنار، ومن المؤسف أنَّ الأنظمة العربيَّة تصرَّفت في هذا الظرف الحرج بلا أدنى قدر من المسؤوليَّة والحرص على أمن المنطقة وشعوبها وبلدانها، ناهيكم عن أمن هذه الأنظمة نفسها. حيث أنَّه من غير المستبعد أنْ يقود توتير أجواء المنطقة، الجاري الآن، وتصعيد حدَّة الأحداث، فيها، إلى حرب طاحنة وأعمال عنف مدمِّرة، عبر كريدور طويل يمتدّ مِنْ لبنان إلى أفغانستان، وما حوله. ولن يستفيد من الويلات، التي سيجرّها ذلك على الجميع، سوى شركات صناعة الأسلحة وشركات الإعمار وما إلى ذلك، في العواصم الرأسماليَّة الدوليَّة التي تعيش الآن تحت وطأة أزمة اقتصاديَّة متفاقمة.

المسألة الآن ليست هي أنْ تكون مع النظام السوريّ أو ضدّه، أو أنْ توافق على أساليبه في الحكم أو ترفضها، بل هي أنْ تقبل بتدمير بلد عربيّ آخر، وتسليمه للصوص الأطلسيّ ومجرميه، ليعيدوه إلى ربقة التخلّف والتبعيَّة، أو أنْ ترفض ذلك وتقف ضدَّه.. كائناً ما كان النظام الحاكم في ذلك البلد.
وواهم مَنْ يعتقد أنَّ حريَّة أيّ شعب من الشعوب يمكن أنْ تتحقَّق بمقايضة عجيبة يتنازل فيها، بالمقابل، عن حريَّة بلده كلّه ويسمح للأعداء بضربه وتدميره. والوطنيّون الحقيقيّون لا يمكن أنْ يرضوا، مطلقاً، ولا تحت أيّ ظرف من الظروف، بمثل هذه المقايضة البائسة. يكفي أنْ أشير، هنا، إلى مثال واحد على ذلك من التاريخ الحديث؛ فعندما اُحتلَّت الصين مِنْ قبل اليابان في الحرب العالميَّة الثانية، من المعروف أنَّ الشيوعيين الصينيين وخصومهم الألدّاء مِنْ حزب تشان كاي تشك اليمينيّ، وحَّدوا صفوفهم لمواجهة المحتلّين الأجانب وإجبارهم على الجلاء عن وطنهم. وعندما انتهوا مِنْ ذلك، فقط، تفرّغوا للصراع فيما بينهم.
تعليق واحد
إرسال تعليق

  1. اخ سعود: العالم تغير و لكم ان تتغيروا او تعيشوا في الماضي الى ما شاء الاتحاد السوفييتي

    ردحذف

إعلان أسفل المقال